بشير القمري يصدر شعرية النص الروائي

النص في حده الأدنى هو ذلك النسيج من القول، وتسلسل الجمل والمتواليات التي تتعالق فيما بينها لتخلق شرو التمظهر اللغوي والاشتغال على اللغة، إلى جانب أنه عندما يتعلق الأمر بنص أدبي – على وجه الخصوص – عبارة عن تمفضل بين قصة وخطاب وعلائق تقوم بينهما، وهي الحالة التي تنطبق أكثر على النص الذي يستعمل البرنامج السردي مطية له.

 

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
ولذا كان هذا الكتاب” شعرية النص الروائي “لمؤلفه بشير القمري . في البداية يذكر المؤلف: سننطلق في قراءة (كتاب التجليات) ونحن نؤمن سلفاً بضرورة الاستجابة لمظاهر التعدد فيه سواء على مستوى اللغة، أو على مستوى الأخبار الأدبية التي تتخلله.

ولعل أول ما يستوقفنا في قراءة نص (كتاب التجليات) ووصفه ثم تفسيره كبنية دالة قضية الصنعة الروائية كقناعة وتجريب شكليين، وكمظاهر بارودية تقوم على التناص بشكل عام من حيث السرد وبنية المحكي اللذين لا يثبتان على حال، ويعرفان تنويعات متقلبة أو منقلبة، رغم وجود ثوابت قادرة داخلها، وتضاف إلى قضية الصنعة قضية الشكل من حيث المعمارية والتركيب وتراكب المقاطع والنصوص.

وعن الزمن في (كتاب التجليات) يقول:السارد في هذا النص ينطوي فيما يبدو على موقف (أنطلوجي) من الزمن، ونقصد بذلك أن (كتاب التجليات) يشخص حالة تساؤل فلسفي حول الزمن لمفهومه وحمولته الفكريين على غرار نصوص روائية عربية حديثة، ومنها الزمن الموحش للروائي العربي (حيدر حيدر)، ومن ثم تتخذ هذه النصوص طابعاً جدلياً في طرح مقولة الزمن، سواء لخلفية معرفية تخلف الخطاب المركزي للنص، أو كصنعة فنية في تكسير الكرونولوجية المصطلح عامة عليها في معمارية العمل الروائي، ويتضح هذا بالنسبة إلى نص (كتاب التجليات) عندما نجد أن السارد يمتلك إحساساً خاصاً بالزمن.

وإذا كان (م. آريفي) يسلم بأن مفهوم التناص يعين على حل إحدى قضايا السيميائية الكبرى في ظل تصور خاص بالنص كنظام من العلائق القائمة بين مستويات التأشير والإيحاء وكإنتاجية تحقق شروط قابلية قراءة العمل الأدبي.

ويرى (ل. جيني) أن التناص يتميز بالتمهيد لنمط خاص للقراء يكسر خطية عمودية النص (استراتيجية الشكل) ونكون حينئذ إزاء أمرين: إما متابعة القراءة على أساس اعتبار النص المتناص جزءاً مقطعاً من نص آخر هو مركبية النص بأكملها، أو العودة إلى النص الأصل (المصدر) والبحث بعد ذلك عن السوابق، ومن ثم تستدعي هذه القراءة البحث عن العلائق الخلافية التي توجد (تفرق أيضاً) بين النص الجامع والنصوص التي سبقته الظهور.

وفي الفصل الثاني من هذا الكتاب، يتناول مظاهر ومستويات التناص في (كتاب التجليات)، قائلاً: ينفتح نص (كتاب التجليات) بنا بالبسملة والدعاء على غرار المصنفات والكتب والتآليف القديمة والرقائق وكتب الأخبار والسير والتراجم، وغيرها من كتب الفتاوى والتاريخ والنقد القديم والفلسفة وعلم الكلام والرسائل.

ومن بين العناصر التي تخلع على (كتاب التجليات) صفة نص متخلل ينتمي تصورياً إلى أجناس أدبية متشابكة وتجعله العناصر يدور في فلك تمثل أنماط الحكي الموروث العتيق لجوءه إلى المكون العجائبي كموقف شكلي ورؤيوي في نفس الآن من العالم يكون القصد من تحريكه التعبير عن القيم التي انتصرت أو تراجعت، ولعل أبرز وحدة تدشن متوالية هذا المكون هي استعداد البطل لمفارقة الأرض، والقيام برحلة رمزية متخيلة إلى عالم آخر، ومقابلة الموتى بدل الأحياء، والسؤال عن جوهر الأشياء واكتشاف أسرار الغيب والوقائع التي مضت، ثم جعل جمال عبدالناصر ضمن هذه المتوالية يظهر في زمن دنيوي آخر، يضاف إلى ذلك مكون الحرب مع العدو، والهزيمة المنتظرة ومحاسبة النفس، والعمل بعد ذلك كاستراتيجية تضمينية داخل الخطاب على تذويت التاريخ والصراع بردهما إلى الأصل بما تفرضه حقيقة السارد كبطل إشكالي يسعى إلى ضرب المثل والعبرة أطروحياً.

ويمكن اعتبار ورود أسماء الأعلام في (كتاب التجليات) أحد أبرز الوسائل الوظيفية في تعتيق الشكل الفني الذي يقصد إليه (ج. الغيطاني) جملة وتفصيلاً، وذلك لأن هذه الأسماء تساهم في برمجة وتوجيه المرسلة المحورية للنص، وتسعى من جهة ثانية إلى سبك بعض عناصر المكون الدلالي، وتكثيف الرمزية والإيحاء، وصهر الخطاب السردي، وهو الخطاب الذي يتناص مع غيره من الخطابات واللغات، وذلك من خلال اختيار لغة أدبية تستقطب جملة من اللغات والنبرات والأصوات الأيديولوجية والسياسية والمعرفية والدينية لما كانا بنية نص (كتاب التجليات) لا تحتفظ بنسق واحد، وإنما تنزع نحو محاورة عدة أجناس وجنسيات ولغات أدبية أخرى من بينها لغة الجنس الهاجيوغرافي في تمثل (وإعادة إنتاج) سيرة كل من (الحسين بن علي بن أبي طالب) و(جمال عبدالناصر).

وفي خاتمة الكتاب يرى مؤلفه، أن (كتاب التجليات) رغم الحداثة التي يحققها على مستوى تكسير السرد، فهو يحرك في ثنايا المحكي قصة تراهن على التنويع واستعمال تقنيات مستحدثة، ويحرك فوق ذلك تعدداً لغوياً مكشوفاً يغترف من سجلات اللغة الأدبية وغير الأدبية العربية القديمة. لم ينج من المونولوجية التي ظلت تتحكم في الملفوظ لغوياً وأدبياً، وتستبد بإمكاناته وممكناته، ولعل السبب في هذا يكمن في انتصار المكون السير الذاتي على المكون الروائي.

الجدير بالاشارة أن كتاب “شعرية النص الروائي” للكاتب بشير القمري صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويقع في نحو 234 صفحة  من القطع الكبير .