سيرة فيكتور هيغو.. رواية أخرى مثيرة..

بمناسبة صدور أعمال الأديب الكبير فيكتور هيغو في طبعات جديدة للعام الجديد، عادت الدوريات والمجلات الأدبية تنشر جانباً من حياة هيغو، ورغم مرور نحو 100 عام على وفاة صاحب “البؤساء”، و”أحدب نوتردام”، والتي أحدثت دوياً هائلاً في مختلف أنحاء فرنسا الملكية آنذاك، وتأثر بها محبو الأدب على مستوى العالم، إلا أن جانباً كبيراً من حياة هيغو لا يعرفه الكثيرون، وخلال السطور القادمة سنسلّط الضوء على تاريخ الرجل، وأهم المؤثرات التي شهدها في حياته، ومنها أنه كان رساماً بارعاً ومصوراً فذاً.

 بداية الطريق

فيكتور هيغو
فيكتور هيغو

وُلد فيكتور ليوبولد هيغو في باريس في 26 فيفري عام 1802 لوالد يعمل ضابطاً في جيش نابليون بونابرت، وهو ما ساعد فيكتور على أن ينشأ في بيئة أرستقراطية، وقد غرس فيه والده حب الأدب حيث كان شاعراً، وكانت ظروف عمل الأب تضطر الأسرة إلى الانتقال من مكان إلى آخر كل عدة سنوات، لذلك فقد عاش هيغو طفولته متنقلاً بين باريس وعواصم أخرى في صباه الباكر، قبل أن تنتقل الأسرة للعيش في مدريد عدة سنوات، قبل أن تعود إلى باريس مرة أخرى، وانعكس ذلك على الصبي فيكتور، فالتنقل بين الأماكن أوقد فيه جذوة الإبداع بداخله فكتب أشعاراً ورسم لوحات عبّر فيها عما يختلج بصدره، كما أن ذلك أدى إلى تنوّع ثقافته، تلك التي وصفتها أمه قائلة: “إن فيكتور يعلم القليل القيم عن كل شيء”، أي أنه لم يكن متخصصاً في فرع ما من فروع المعرفة، وإنما كان يأخذ من كل منها بنصيب.

تفتّحت موهبة فيكتور الشعرية وهو دون العاشرة، وقرأ “فرجيل” وهو في الثالثة عشر من عمره، وبلغ به الحماس لفكر ومؤلفات فرجيل أن حاول ترجمة إحدى قصائده وعرض الترجمة على أحد مدرسيه، وكان شاعراً مغموراً يُدعى “ديكوت”، وبدلاً من أن يشجع الصبي الموهوب راح يعنفه، وحاول صرفه عن الإبداع، لكن الصبي الموهوب لم يأبه وواصل طريق الإبداع وتقدم بإحدى قصائده لمسابقة مدرسية، ونال عنها الجائزة الأولى، فكانت الاعتراف الأول بموهبته، وربما كان ذلك الحدث هو الذي جعله يميل للأدب أكثر من الرسم.

الحب الأول

موهبة فيكتور هيغو الباكرة لفتت إليه الأنظار، لذا لم يجد صعوبة في إقناع ابنة الجيران “أديل فوشير” بحبه، ولم تلبث هي أن بادلته حباً بحب وتوجت علاقتها بالزواج، وهو في التاسعة عشر من عمره، وعاش سعيداً مع “فوشير”، بالرغم من أنه كاد يقتل بسببها يوم الزفاف، إذ أن شقيقه “أوجين” كان يحب نفس الفتاة، فلم يحتمل أن تزف إلى فيكتور، فحمل الفأس محاولاً  قتل شقيقه لكن المحاولة لم تنجح وفقد “أوجين” عقله بعدما فقد حبه وعاش بقية حياته في مصحة نفسية، بينما شقيقه “فيكتور” يهنأ بحب “فوشير” وينتقل من نجاح لنجاح، إذ ما يكاد ينتهي من نشر ديوان شعر حتى تعرض له مسرحية، وكانت الصحف والمجلات تتلهف على نشر أشعاره ومقالاته، لكن فجأة كشرت له الحياة عن أنيابها فيموت طفله “لبوبولد” ثم تموت أمه.

إبداع مسرحي

ورغم مآسيه المتعدّدة إلا أنها لم تصرفه عن الإبداع فكتب مسرحية “هرناني” التي قال عنها: “في هذه المسرحية أحطم كل النظريات وفنون العرض والمذاهب المسرحية: إني أمسح عن وجه الجمال ذلك الطلاء العتيق الذي كان يحجبه فلن تكون هناك قواعد ولا نماذج في الفن بعد الآن” .. في هذه الليلة، وفي غمرة نشوة النجاح اكتشف أن زوجته “فوشير” تخونه مع صديقه الحميم الناقد الكبير “سانت بييف” عندما كان يستعد لكتابة رواية جديدة، فوجد في الرواية خلاصه فانكب عليها منذ صباح الرابع من سبتمبر 1830 وحتى مساء 15 يناير 1831 خمسة شهور ونصف الشهر كتب فيها رائعته “نوتردام دي باريس″، والتي نشرت باسم “أحدب نوتردام” بعد أن مكث ثلاث سنوات في الإعداد لها.

معاودة الكتابة

عاد ليواصل الكتابة وانكب على روايته ”البؤساء” التي كان قد بدأها في باريس قبل اندلاع الثورة، وظل يكتب في البؤساء حتى انتهى منها في صباح يوم الثلاثين من جوان 1861، وكان للرواية دورها في تأجيج نار الثورة ضد الحكم الملكي فكانت بمثابة إنجيل الثوار الذين أنهوا العهد الملكي وأسسوا الجمهورية، ولما استقر النظام الجمهوري الجديد عاد هيغو من منفاه عام 1870 بعد أن قضى في المنفى ثمانية عشر عاماً، وكتب عن هذه الفترة قائلاً: “لقد واجهت رهبة الموت فوجدت فيما يليها زهرة الحياة، تلك الزهرة التي هي أصل من اللا أصل له، وهي إنجيل المستضعفين، وهي عطف الله على كل مخلوق معذب”، وبعد عودته من المنفى توفيت زوجته “أديل” ثم قامت ألمانيا بغزو فرنسا في 1870 فكتب مخاطباً الشعب: “لا تخشوا هزيمة اليوم بل كونوا قلباً واحداً، ويداً واحدة، واعملوا لهدف واحد هو النصر”.

رسوماته الفنية

وقد طغت شهرة فيكتور هيغو كأديب وشاعر على شهرته كرسام، وربما لم يعرف الكثير من قرائه أنه كان مصوراً عبقرياً يضعه البعض في مصاف جويا ورامبرانت. وصدرت عدة كتب تناولت هذا الجانب الخفي من إبداع هيغو منها كتاب “جان سرجان”، الصادر عام 1965 بعنوان: “فيكتور هيغو رساماً عبقرياً”، ويبين هذا الكتاب أن سنوات المنفى كانت من أخصب فترات الإبداع الفني لفيكتور هيغو، وبين أن جزءاً كبيراً من هذه الرسومات هي إبداع تجريدي وسيريالي حتى قبل وجود التجريدية والسريالية كمذاهب فنية محددة.

في 26 فيفري 1882 وعقب الاحتفال بعيد ميلاده الثمانين توفيت رفيقة حياته “جوليت دروبيه” فجثى على جثمانها قائلاً: “هل مت؟ ينبغي إذن أن أموت” وظل مريضاً حتى مات في الثاني من ماي 1885 ليشيع جنازته أكثر من مليوني شخص.