قلعة بني عباس.. شعلة الثورة الجزائرية المباركة

سطرت الثورة الجزائرية ملاحم وبطولات كانت فيها الأرض الجزائرية التي خضبت بالدماء تلعب مع الثوار دورا مساندا لهم، بل يمكن القول إن الأرض الجزائرية بقلاعها وتضاريسها، كانت جنديا في معركة الاستقلال التي خاضها الجزائريون ضد الاحتلال الفرنسي.

 ومن بين المناطق التي لعبت دورا تاريخيا في احتضان الثوار الجزائريين وتوفير المأوى والأمان للثوار في مقاومتهم للاحتلال الفرنسي نذكر “قلعة بني عباس″، التي أصبحت بعد الاستقلال واحدة من أهم المقاصد السياحية لكل من يزور الجزائر للتعرف على ملامح من تاريخ البلاد النضالي لنيل الحرية والتخلص من الاستعمار الفرنسي.

قلعة بني عباس
قلعة بني عباس

تم تأسيس قلعة بني عباس الجزائرية خلال القرن الخامس عشر الميلادي بأمر من الأمير عبدالرحمن الإدريسي، الذي يمتد نسبه إلى إدريس بن عبدالله الكامل بن الحسن بن علي بن أبي طالب، حيث أتى إلى منطقة بني عباس قادما من قلعة بني حماد التي تقع بولاية المسيلة، وهي من أهم المواقع الإسلامية القديمة التي تصل بين جميع ولايات الجزائر بعد مطاردة قبائل “الهلاليين” له، وهي قبائل عربية قديمة احتلت بعض الولايات من بينها ولاية المسيلة، ومن ثم استقر بين سلاسل جبال البيبان التي يوجد بها قرية “موقة”، ومنذ ذلك أصبحت ملجأه.

ومكث الأمير عبدالرحمن عدة سنوات في هذه القرية، ثم استقر بشكل نهائي في الجانب الجنوبي من ولاية بجاية الجزائرية، وعزم على بناء قلعة بني عباس وسط ضواحي بلدية أغيل بعد توليه إدارة شؤون القرية، نظرا لقوته ونسبه الشريف الذي منحه علما وفيرا لا سيما في الشؤون الإسلامية، بالإضافة لحكمته وشجاعته، مما دفعه إلى مبايعته حتى يكون واليا ومدافعا عنهم. تقع هذه القلعة أعلى هضبة صخرية توجد وسط سلسلة جبال البيبان التي تشتهر باسم مضيق أبواب الحديد بارتفاع يصل إلى 1297 مترا، يحيط بجوانبها المختلفة العديد من القرى والوديان شديدة العمق.

ولاية بجاية

واستلم السلطان أحمد بن عبدالرحمن الخلافة بعد وفاة أبيه، حيث كان الابن الوحيد الذي يتسم بالشجاعة والقوة، وظل يدافع عن القلعة من محاولات الخوارج المتكررة للهجوم عليها، وهم مجموعة من القبائل المتفرقة يسطون على الأماكن العامرة للاستيلاء على ثرواتها، أطلق عليهم بنو العباس هذا الاسم لأنهم من ساكني الجبال التي توجد في الولايات المجاورة لولاية بجاية، من خلال إدخال تعديلات على قلعة بني عباس وتشييد أسوار ضخمة وحصون وأبواب، وعندما رأى والده ذلك لقبه باسم “العباس″، ونسب إليه القلعة التي سميت بعد ذلك باسمه.

وظل ابن الأمير عبد الرحمن راعيا لشؤون قلعة بني عباس حتى وفاته. يوجد ضريحه على أطراف القلعة بالقرب من قرية “تقرابت” التي تقع أعلى ولاية بجاية، يفصل بينه وبين ضريح والده الأمير عبدالرحمن مسجد قديم وبعض البنايات المتهالكة، لا يزاحمهما سوى ضريح ثالث يطلق عليه “الطالب”، دفن به طالب جاء للسلطان أحمد بن عبدالرحمن يطلب منه مساعدته في تلقي العلم خلال إقامته في الولاية، وبعد مرور عدة سنوات توفي ودفن بقرية تقرابت، ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المكان من المواقع المحببة لأهل المنطقة يذهبون إليه لتلاوة القرآن على أرواحهم.

الأبناء السبع

أنجب السلطان أحمد أثناء توليه الخلافة ابنا يدعى عبدالعزيز، اختير من بين سبعة أبناء حتى يكون خلفا لأبيه السلطان بعد وفاته، حيث كان يتسم بالقوة والشجاعة التي لقب على إثرها “بالجودي”، أسس إمارة بعد توليه الحكم بعامين وأطلق عليها “إمارة بني عباس″، وعقب ذلك دخل في عدة حروب مع السلاطين الأتراك، لكن بالرغم من مشاركته في الكثير من الحروب قبل وفاة والده، ودوره البارز في تحرير بعض السواحل الجزائرية التي سطا عليها الإسبان خاصة سواحل ولاية بجاية، إلا أنه لم يتمكن من هزيمة الأتراك الذين رغبوا في السيطرة على الجزائر، وقتل على يد معاوني حسان باشا الذي كان حاكما لها آنذاك، ساعده في هذا الأمر ابن القاضي أحمد الذي أسس إمارة جبل كوكو التي تقع بالقرب من قلعة بني عباس.

وتولى شؤون قلعة بني عباس بعد وفاة الأمير عبدالعزيز، ابنه السلطان أحمد أمقران الذي سميت باسمه عائلة السلطان أحمد بن عبدالرحمن، وكان سببا في توسع رقعة حكم والده السلطان عبدالعزيز نظرا لحكمته وعظم شأنه، حيث امتدت إلى ولاية تسمى “بسكرة” تقع بالجهة الجنوبية الشرقية من الجزائر، ومنطقة القبائل الكبرى الموجودة في الجهة الشرقية منها والتي تعد آخر مراحله في الحياة حيث توفي بها السلطان أمقران.

وقال د. زيدان العلي، الخبير الأثري: قبيلة بني عباس كانت من أكثر القبائل التي شاركت في الثورة الجزائرية على الاحتلال الفرنسي، بعد تولي السلطان محمد المقراني آخر زعماء العائلة، الذي تصدى للغزو الفرنسي على الجزائر، من خلال تحصين القلعة بالأبواب والأسوار، التي كانت بمثابة الحاجز الذي ساعده على طرد الفرنسيين من ولاية بجاية، ولكن مع الهجمات المتكررة لهؤلاء لم يعد المقراني قادرا على الصمود، وهذا ما دفعه إلى تكوين جيش آخر بقيادة قوية فاق عدد جنوده 6 آلاف مقاتل، أحدثوا ثورة على الزحف الفرنسي، وحاصروا بعض الولايات الجزائرية التي يسكنها الفرنسيون.

ويؤكد العلي أنه خلال هذه المرحلة شارك في الثورة الصديق الوحيد لمحمد المقراني وهو الشيخ الحداد، كما شارك بومزراق وهو شقيق المقراني الذي أطلق عليه لقب العنصر الثالث، وبعد تزايد أعداد المشاركين هاجم السلطان مقرات إقامة الجنود الفرنسيين في العديد من الولايات في وقت واحد، ثم اتجه إلى الجبال للقضاء على بقايا الجنود الذين هربوا خوفا منه، حتى وصل إلى وادي الرخام، وظل يقاتل أكثر من خمسين يوما إلى أن قُتل على أيديهم، وأعيد إلى قلعة بني عباس ودفن بها.

(خدمة: و.ص.ع)