مُنَاوَرَاتُ الإِبدَاعِ وجَمَاليّاتُ التَّسْويق
تذهب بعض الدّراسات إلى أنّ مفهوم "الإشهار" موغل في التّاريخ، وتعود به إلى أعمق ما كشفت الحفريات من رسوم وكتابات كي تستدلّ على ظهوره منذ القدم، ثم تتابع تطوّره إلى غاية العصر الحديث؛ فهذه دراسات تعتبر أن أوّل ظهور لـ"الإشهار" يعود إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وتعضد هذه المقولة بنماذج من كتابات عثر عليها علماء الآثار في مدينة بومبيي الإيطالية، كما تعضدها بـ"إشهار" يعود إلى ألف سنة قبل الميلاد تضمّن "إعلانا" عن مكافآت رصدها أمير مصري لمن يردّ إليه عبدا هاربا، وتضيف أن العرب عرفت "الإشهار" في سوق عكاظ بما هو أكبر تجمع اقتصاديّ وثقافيّ وفنّي للعرب في الجاهليّة، ولا تستثني بقيّة الحضارات القديمة (آشورية وبابلية وغيرها) التي تركت شواهد تاريخيّة تدل على وجود صيغ معيّنة لـ"الإشهار"، وتؤكد بأنّ البشرية استغلته وفق الوسائل والأساليب المتاحة في كل عصر .
كتب: محمد كاديك؛
ولعلّ القرون الموغلة في القدم تمنحنا ما يمكن أن نراه ممارسة إشهارية، فهي لم تعدم تجارا استخدموا المنادين ليجوبوا الأسواق وأماكن التّجمعات ويروّجوا للسّلع، مثلما لم تفوّت استغلال كلّ متاح في توزيع المعلومات المختلفة عن السّوق، بل إنّ العصور القديمة عرفت فكرة لافتة المحلّ التجاري واتّخذت لها رموزا تدل على طبيعة النّشاط التّجاري لكلّ محلّ مثلما هي الحال بالنسبة للصّيدليات التي رفعت رمز "الثّعبان والكأس"؛ ولكن «كلّ ما تمنحنا العصور القديمة من صور عن السّابقين إلى "الإشهار"، لا يدلّ على وجود منظومة عقلانيّة منسجمة»[1]، وكان على العالم أن ينتظر القرن السّابع عشر كي يرى أولى إرهاصات مفهوم "الإشهار"، ويشهد ظهور "الإعلانات الصّغيرة" و"اللافتات التّجارية" و"المطويّات"، ثم يطوّر "الإعلانات التّحريرية" (La Publicité Rédactionnelle) مع نهاية القرن السّابع عشر وبداية القرن الثّامن عشر، فتظهر الصّفحات الإشهارية التي كانت الصّحف تخصّص لها صفحاتها الأخيرة؛ ولكن هذه الإعلانات لم تتضمن مفهوم "الإشهار" المتعارف عليه اليوم، وظلّت إلى غاية ظهور "الإعلانات المبوّبة" ـــ مع نهاية القرن الثامن عشر ـــ محسوبة على المادّة الإعلاميّة، فقد مهّدت لها "الملصقات الإعلانية" التي أصبحت نشاطا معترفا به سنة 1722م مع تأسيس أول شركة لممتهني صناعة الملصقات بفرنسا، وهو ما استدعى التشريع إلى اعتماد صيغ قانونية تنظم النّشاط بداية من 1740م حيث صار النشر خاضعا لتصريح مسبق من هيئات عمومية، وملزما بعدم استغلال الملكيّات العامة لتثبيت الملصقات، بل إن ممتهن "صناعة الملصقات" صار هو نفسه ملزما بإثبات مستوى ثقافيّ معين[2]؛ فإذا كان القرن السّابع عشر قد دشّن عهد "الإعلانات التّحريرية"، فإنّ هذه الإعلانات ـــ كما يقول جيل لوغران (Gilles Lugrin) ـــ لم تمتلك معناها بما هي "رسالة موجهة لها ثمن يقدّر بالمساحة التي تحتلّها على الصّفحة"، ذلك لأنّها كانت تمثّل خدمات يتوجّب على الصّحيفة تقديمها لمشتركيها[3]؛ وكان ينبغي انتظار القرن التّاسع عشر الّذي يشهد التحوّل التّاريخي الحقيقي بعد أن يتمكّن إميل دو جيراردان (1802م – 1881م Émile de Girardin) من «الجمع بين "الصّحافة" و"الإشهار" من خلال تحقيق الانسجام بين أركان مؤسّسته الإعلامية الثّلاث: "الصّحفي"، "المعلن" و"القارئ"، على أساس تحقيق مصلحة الجميع: الصحفي ينال مردود عمله، المعلن يضاعف مبيعاته، والقارئ يتلقّى المعلومات الكاملة عما يمكن أن توفّره له السّوق»[4]، وهذا ما أدّى إلى نشأة متزامنة للصحافة الواسعة الانتشار مع "مفهوم الإشهار" والمساحة الورقية المدفوعة، كما أسّس لعلاقات جديدة بين "الصّحافة" و"الإشهار"، وهي علاقات أفادت من الدينامية التّطورية التي عرفها الغرب؛ ولعلها أفادت بصفة خاصة من استقرار مفهوم "المعيار التّجاري" الذي اقتحم التشريع وحقّق ما يعرف اليوم بـ"العلامات/الهويّات التجارية"، وكان هذا نتيجة طبيعية للفصل بين النشاط الصّناعي ونشاط البيع الذي أنتج بدوره نظاما تجاريّا جديدا صار التّاجر فيه ملزما باستثمار مسؤوليته عن المنتَج، ما يعني أن "الثّورة الصّناعية"، والذّرى التي بلغتها مساحات البيع الكبرى، وما نتج عن هذه المساحات من تغييرات عميقة في "عادات الشّراء"، كلها عوامل اجتمعت وأسهمت في "الخطاب" الذي تأسّس حول "العلامات التّجارية"·[5]، وانتهى إلى نشأة فكرة "الوكالة الإشهارية" بالولايات المتحدة الأمريكية مع نهاية القرن التاسع عشر[6]؛ ولم يلبث القرن العشرين أن وطّد الأسباب لميلاد ما يعرف بـ"مجتمع الاستهلاك الشّامل" (la société de consommation de masse)، فتحدّدت معالم الإنتاج الصّناعي التّسلسلي الذي استغلّ تحوّلات العلاقة بين الإعلامي والمعلن، بمثل ما استغلّ منتجات التّكنولوجيا مثل "الإذاعة" و"التلفزيون" و"أنترنت"، لتتحوّل "العلامات الكبرى" عبر مختلف الوسائط إلى "كيانات مجرّدة" ثابتة في المخيال العام[7].
وبناءً على ما سبق، نرى أنّ "الإشهار" رافق تاريخ الأمم على مستوى "الحضور"··، فقد تطوّر من بداياته البديهية من خلال الإشعار والإعلان (Avis et annonce) وغيرها من الصّيغ التي تم تداولها عبر التّاريخ، دون أن يتمأسس كـ"مفهوم" يكتسب تعريفاته وحدوده، مثلما هي الحال في العصر الحديث الذي جعل من "الإشهار" رافدا مهمّا من روافد المشهد الاقتصادي في عمومه؛ ومن هنا، لا يمكن أن نعدّ الممارسات القديمة إلاّ ضمن ما يتيح التواصل اللّغوي والاستعمال المعقلن للوسائل والأدوات المتاحة لكلّ مرحلة تاريخية، بعيدا عن الإشكاليات التي يطرحها "المفهوم" في العصر الحديث.
- عن مفهوم الإشهار
تضع المفاهيم التي تبدو بديهية ـــ في العادة ـــ عقبات صعبة أمام من يرغب في الإحاطة بها ووضع حدود تعريفية لها؛ ولا يختلف "مفهوم الإشهار" بالنّسبة لهذه الملاحظة العامة، فتتعدّد تعريفاته، وتتضاعف محاولات الإحاطة به، دون أن تحقّق للمفهوم وضوحه التامّ؛ وهذا ما أشار إليه هامل شيخ الذي اعتبر أن تعريفات "الإشهار" «لا تمثّل التفرّد والتميّز بقدر ما تعكس أهمّ التمثّلات التي يمتاز بها المصطلح»[8].
ونعتقد أن تفلّت مفهوم الإشهار يعود إلى عاملين اثنين مهمّين، أوّلهما يتعلّق بطبيعة تمأسس هذا المفهوم على المستوى التّاريخي، فقد تدرّج بشكل سريع من "الإعلان" التّحريري (Annonce) إلى "الإعلان" المدفوع (Réclame)، ولم يلبث أن أصبح "إشهارا" محليّا أو وطنيّا (Publicité) ليتحوّل إلى "إشهار عابر للحدود" (Publicité Transfrontière)[9]. أمّا العامل الثاني، فهو متعلّق بتقاطع الحقول المعرفيّة التي يتحدّد من خلالها المفهوم؛ فقد كان لزاما، على مدى مسار تحوّل مفهوم الإشهار، مراجعة علاقات المادة الإشهارية مع محيطها العام، سواء على المستوى المعرفي، أو على مستويات أخرى قد تمتدّ إلى المستوى السياسي، مرورا بالمستويات الاجتماعية والنّفسية والثّقافية؛ وهو ما يضع المادة النّظرية في حالة ترقّب دائم.
أما فيما يخصّ الاصطلاح بـ"إعلان" أو "إشهار" للدلالة على "الترويج لعلمية بيع الممتلكات أو الخدمات، وممارسة فعل نفسي لغايات تجارية، أو تعريف الجمهور بمنتج ما، ودفعهم إلى اقتنائه"؛ فهو لا يختلف عن Publicité في اللغة الفرنسية،أو عمّا يصطلح به الأنغلوسكسونيين بــAdeversiting، ذلك أن مادّة "علن" تدلّ على الشيّوع والظّهور، ومثلها مادة "شهر" التي تدلّ على "الذيوع" و"الانتشار" و"الرّواج"؛ ولا تختلف مادة Publicité التي ظهرت أوّل مرة في حوالي القرن السّابع عشر ضمن مصطلحات "القضاء" ومقتضياته في إعلان الأحكام؛ وكان يجب انتظار سنة 1878م لكي يأخذ المعنى الحديث، ويتخلّص من المعاني المجاورة مع تعريف الأكاديمية الفرنسية، ليفرض المصطلح نفسه بما هو "تمثيل مادح لمنتج يهدف إلى إقناع المستهلك". أما مصطلح Réclame فقد ظهر أوّل مرة عام 1672م، وكان يدلّ حينها على "كلمة" توضع تحت آخر سطر في الصّفحة، لتكون أول كلمة في السّطر على الصفحة الموالية[10]؛ وهو ما ظل متداولا في اللغة العربية، خاصة في الكتاتيب، باسم "التعليقة"، وهي الكلمة التي توضع تحت آخر سطر في الوجه الأول للّوحة، لتكون الأولى على الوجه الثاني، وما تزال بعض المصاحف تستعمل "التعليقة"؛ وهي تتضمّن معنى الإحالة تماما مثل الاصطلاح الفرنسي الذي تطوّر وصار يوضع ليحيل إلى مادة إعلانية على مساحة مدفوعة الثمن.
أما دلالة مصطلح "إشهار"، فهي ــــ كما يراها لوغران ـــ «تجمع بين كثير من المعاني مع منظورات مختلفة تمنع كل محاولة لتحقيق التّناغم بين الرّؤى حول تعريف واحد يحظى بالقبول من الجميع»[11]؛ فقد اقترح جيران وإسبيناديل (J.Gérin et C. Espinadel) سنة 1911م تعريفا لـ"الإشهار" يفيد بأنّه "مجموع وسائل البيع والبحث عن الزبائن دون أي تدخّل من البائع"؛ ولكن كلود رايموند هاس (Claude Raymond Haas) وضع تعريفا أوسع سنة 1979م ذهب فيه إلى أن "الإشهار هو تقنيّة تواصلية تهدف إلى تسهيل انتشار بعض الأفكار، أو تيسير العلاقات ذات الطبيعة الاقتصادية بين أشخاص يمتلكون سلعة أو خدمات يقترحونها على آخرين يرجح أنهم يستعملون السلعة المقترحة"؛ أما آرماند دايان (Armand Dayan)، فقد أضاف، في سنة 1995م، منظورين اثنين أوّلهما "الخطاطة التّواصلية ذات الاتجاه الوحيد"، والثاني "تعيين المعلن"، وهو ما أفضى به إلى تعريف الإشهار بأنه "تواصل مدفوع الثمن، يعتمد خطاطة تواصلية وحيدة الاتجاه غير مشخصنة، من خلال وسائل الإعلام أو مختلف الوسائط الأخرى من أجل التّرويج لمنتج أو علامة أو شركة أو قضيّة أو مرشّح أو وزارة.. وما يمكن تحديده من خلال الرسالة"؛ بينما يفرّق مارك مارتان (Marc Martin) بين ما ينتمي إلى "الإشهار" وما لا ينتمي إليه باعتبار الوسيط المستعمل في تمرير الرّسالة، ولهذا لا يرى في المادة الإشهارية سوى ما يمرّ عبر وسائل الإعلام الجماهيرية[12].
ولعلنا نلاحظ أن معظم التعريفات تربط الممارسة الإشهارية بالفعل الاتصالي ووسائل الإعلام الجماهيرية التي تؤثر على أكبر عدد ممكن من الأشخاص، لا يختلف في هذا عبد الجبار منديل ولا سعيد بنكراد[13]؛ ولكن، لا يفوتنا أن جيران وإسبيناديل لم يربطا تعريفهما بالاتصال، لأن علوم الإعلام والاتصال لم تكن قد تأسّست، وكان يجب انتظار روبير إسكاربيت (Robert Escarpit) كي يؤسس لها سنة 1959م؛ ولهذا يمكن أن نعتمد رؤية آلتمانوفا جانا التي ترى أن تشكّل مفهوم الإشهار «مرّ بمرحلتين اثنتين في التاريخ الحديث، تمتدّ أولاهما من الثورة الصّناعية إلى غاية الحرب العالمية الأولى، وكان "الإشهار" حينها مرتبطا بـ"مفهوم السلعة"؛ أمّا المرحلة الثانية فقد بدأت في العشرينيات، وشهدت ظهور "العلامة" (La Marque)، وهي المرحلة التي تتواصل إلى يومنا هذا، وإن كانت تشهد انتقالا جديدا مع وسائل التواصل الحديثة، والمتصوّرات الحديثة للاتصال التّجاري»[14]، وقد يكون تراجع وصف "إشهار" وبداية انحساره، لصالح وصف "اتصال" الذي صار يرفع على الصفحات المخصّصة للإعلان التجاري، بعد أن كان وصف إشهار الثابت الوحيد (كما هي الحال ببعض الجرائد الجزائرية)، يدل دلالة واضحة على المرحلة الانتقالية التي حركت أدواتها لتضيف الجديد إلى المفهوم، وهو بالذّات ما يمنحه القدرة على الإفلات من محاولات ضبطه في تعريف واضح كما سبق القول، ما يجعل التعريفات تتوزع على الحقول التطبيقية لمقولات الإشهار الذي يمكن أن يكون تجاريا، أو سياسيّا، أو مؤسساتيا، أو تحريريّا، كما يمكنه أن يتجلّى في صورة "رعاية" التّظاهرات الثقافية والفنيّة والرياضية، ويتسلّل عبر الإعلانات المبوّبة أو البطاقات البريدية أو الأفلام والأشرطة وغيرها من الأدوات التي يستغلّها المعلن؛ وهذا ما جعل آرمان دايان يقول إن «الإشهار ليس علما، ولكنه منتج ثقافي»[15]؛ ولهذا، يصرّ نور الدين هميسي على ضرورة التفرقة بين "الإشهار" والإعلان" وفق الوظيفة المقصدية؛ فـ«الإشهار هو خطاب استهوائي وحجاجي، ويحدّد الإشهاري فيه لنفسه إقناع المتلقي ببناء من الحجج التي تتراصّ وفقا لاستراتيجية محدّدة، في حين ينحصر القصد في "الإعلان" على تبليغ إرسالية معينة للمتلقّي من دون ابتغاء تأثير أو إقناع معين»[16].
وبناء على ما سبق؛ يتّضح أنّ كلّ تعريف لـ"الإشهار"، بكلّ ما يمكن أن يتضمّن من تنوّع، يقتضي أن يتنبّه إلى العناصر المكوّنة التي يحتفظ بها، وتلك التي يتخلّى عنها، حتى يتمكّن من تحقيق الحدّ الأدنى من الإحاطة بالمفهوم ويكون عمليّا في مادة "الاتصال الإشهاري" التي تركّز على "التعاطف" و"المحاباة"، وتحدّد أهدافها مسبقا؛ ولقد حرص جيل لوغران على هاتين الميزتين، فعرّف "الاتصال الإشهاري" بأنّه: «تعاطف، بأهداف محققة مسبقا، يتم إنجازه في سياق تنافسي، وتحالفُه وسائط إعلامية جماهيرية مدفوعة الأجر، تعزّز وتدعم تداول المنتجات أو الخدمات أو الأفكار، بقصد ترويجي»[17]؛ ويشير لوغران إلى أنّ تعريفه لا يتضمّن "الإشهار التّحريري" الذي يمكن أن يخفي طبيعته الإشهارية، وهو ما يفتح المجال على مفهومي "التّضمين الإشهاري" (Dépublicitarisation) و"التّحويل الإشهاري" (Publicitarisation).
- ماهية "الخطاب الإشهاري"
يبقى الخطاب الإشهاري، واحدا من بين أقوى الخطابات، فهو يتجاوز هدفه التقليدي المتعلّق بالتسويق، إلى أهداف أخرى يحققها في صلب الثقافة الاجتماعية، ذلك أنّه ـــ كما يصفه أندري كارون (André H.Caron) ــ «يقدّم يوميا تركيبات من الكلمات والصور في شكل سرود قصيرة تقوم بدور يجمع "التمثيل" و"البناء الثقافي" في الوقت نفسه»[18]، كما أنه يمتلك القدرة على اختراق أي خطاب لأجل تمرير رسائله، وفق مقتضياته الوظيفية؛ تماما مثلما يتجاوز مجموع المواضعات النصّية فيبدو معقّدا إلى درجة أنه يفسح لـ"الإبداع" مساحة "المناورة"، بينما يلقي على "التسويق" مسوحا من "الجمالية"، وهذه تركيبة في الخطاب (بين الإبداعي والتّسويقي) تسمح له بأن يقوم بوظيفة مزدوجة، فهو يمنح "الأشياء" معنى، بأسلوب يمظهر هذه الأشياء ويعطيها دلالة لها قيمتها جماهيريا من جهة، بمثل ما ينظم العلاقات المعقدة والمتقلّبة التي تربط عالم الأشخاص بعالم الأشياء، لأجل تحقيق أغراضه التّسويقية من جهة أخرى؛ وهو ما يصطنع له الأساطير، فيتسلل إلى المخيال العام، ويستحثّ "الرغبة" في الشّراء. ولسنا نرى حاجة في العودة إلى مفهوم "الخطاب الإشهاري"، فقد صار هذا النّوع الخطابي مألوفا، وأصبح وجوده من المسلّمات، فهو لا يختلف عن بقية أنواع الخطاب (إعلامي، قضائي، ديني، تربوي، سياسي.. إلخ..) ولا يخرج عن تعريف ميشال فوكو العام لـ"الخطاب" بما هو «مجموع العبارات التي تنتمي إلى نفس التشكيلة الخطابية (و) يمكن الوقوف على ظهورها واستعمالها خلال التاريخ (أو بما هو) عدد محصور من العبارات التي نستطيع تحديد شروط وجودها»[19].
ولا ضير إذا سجّلنا أن "الخطاب الإشهاري" هو الخطاب الوحيد الذي نال حظه كاملا من النّظرة الدّونية، ومن ذلك أن بول فاليري (Paul Valéry) وصفه بأنه "يهين متابعيه، ويزيّف الوقائع، ويزايد في وصف المناظر، ويفسد كلّ نوعية وكل نقد"؛ ومثله جورج دوهاميل (Georges Duhamel) الذي يراه "صناعة مذهلة للإكراه، والاستغباء، يتعامل مع الانسان كمثل ما يتعامل مع أشدّ الحيوانات بلادة"؛ أما رونيه إيتيامبل (René Étiemble) فيصفه بأنه "غسيل دماغ" ويعتبره "مفسدا للّغة باعتمادة على الحكمة الشّعبية"؛ ولعل "الخطاب الإشهاري" وجد بعض الإنصاف في وصف إدغار موران (Edgar Morin) الذي يرى بأن "الإشهار ليس هو من يخلق العالم الاستهلاكي من العدم، ولكن هذا الكون لا يمكن تصوّره دون إشهار"، فالمتلقّي يتحمّل المسؤولية عن خياراته، وإن كان موران يعتبر أنّ "الخطاب الإشهاري" يركّز على "تحويل المنتج إلى مادة مخدرة ثانوية، أو يطعّمه بالمخدرات، ما يمنح الإحساس بالنّشوة حال شرائه/استهلاكه، ويمكن لهذا الخطاب أن يتحوّل إلى أداة استعباد"؛ ومن هنا يشترط موران لـ"الرّسالة الإشهارية" بأن "تحقق النشوة والإزعاج" في الوقت نفسه، فهي "إن بلغت شكلها المثالي، فإنها يمكن أن توزع طعم المتعة وجاذبيتها"[20].
و"الخطاب الإشهاري" هو الوحيد أيضا الذي يقترب من "الخطاب الأدبي"، فهما يتميّزان بأنّهما يحوّلان ويجدّدان على الدّوام أجناسهما، عكس الخطاب القضائي أو الخطاب الديني ـــ على سبيل المثال ـــ اللذين يميزهما الثبات والاستقرار، أو الخطابين الإعلامي والسياسي اللذين يبدوان في منطقة وسطى يتراوحان بين الوفاء في إعادة الإنتاج و"التجديد"؛ ثم إن "الخطاب الإشهاري" يهدف ـــ في عمومه ـــ إلى "الإقناع"، فالغالب عليه، إذن، أنه خطاب برهاني/حجاجي؛ وهو يتقاطع مع مختلف الخطابات، و"الخطاب الأدبي" بصفة خاصة، فـ«الأشكال المختلفة للنصّ البرهاني تعبّر عن الظاهرة نفسها، وهي أن: الخطاب البرهاني يهدف إلى التأثير على مواقف وسلوك مخاطَب أو جمهور معيّن، وذلك بجعله يتقبّل ملفوظا (نتيجة) بالارتكاز، وفق طرق متنوّعة، على ملفوظ أو ملفوظات أخرى (معطاة/برهان/سبب)»[21]؛ وهذا ما يجعل التّشابه بين "الخطاب الأدبيّ" و"الخطاب الإشهاريّ" ـــ كما يراه جيل لوغران ـــ مذهلا، بل إن التّشابه بين "الأدبي" و"الإشهاري" يمتدّ إلى آليات الاشتغال نفسها، فالخطابان كلاهما لا يكفّان عن الاختراق المتكرر للخطابات الأخرى والاستعارة منها، في مقابل "الخطاب الديني" الذي يبدو كتيما نسبيا (Imperméable)، والخطابين "الإعلامي" و"السياسي" اللذين يبدوان في منطقة وسطى هنا أيضا؛ ولقد لاحظ لوغران أن "الخطاب الإشهاري" يمكن أن يتماهى مع السينوغرافيات/المشهديات المتنوعة تماما مثل "الخطاب الأدبي"، وإن كان "الإشهاري" يفضّل مشهدياته الروتينية، وبهذا يختلف عن الخطابات الأخرى المنغلقة على مشهدياتها الخاصّة؛ ولهذا يرى لوغران أن المنظومة الأجناسية الإشهارية أقرب إلى المنظومة الأجناسية الأدبية وإلى "عدم اكتمالها البنّاء" من بقية المنظومات التي تظهر نوعا من الانغلاق (خطاب قضائي، خطاب إداري..)[22]؛ ولعل هذا يوضّح التقارب بين الخطابين الأدبي والإشهاري، فهما لا يختلفان إلاّ في "الغايات" و"المقاصد" التي يحدّدها "الإشهار" مسبقا، فـ"الخطاب الإشهاري" يضمّن أهدافه في جهازه الأجناسي ويركّز عليها؛ والمادّة الإشهارية لا تُترك غاياتها وأهدافها مطلقا للصّدفة ولا للغموض؛ ويبقى أن "الخطاب الإشهاري" يمكن أن يتميّز بسهولة من خلال «طبيعة "التفاعل" (المرسل – المرسل إليه) والسياق، والممارسات الخطابية التي تتحدّد من خلال الاستعمالات الخاصة ببعض الدوائر الاجتماعية»[23].
- آليات "الخطاب الإشهاري"
ليس من فعل تواصلي إلا ويعتمد عقدا يحدّد هوية شركائه وغاياته وموضوعه والوسيط الذي يستخدمه، ويرى باتريك شارودو (Patrick Charaudeau) أن عقد الاتصال يتشكّل في فضاء من الإكراهات، وآخر من الاستراتيجيات، فـ"الإكراهات" تمثل شروطا لا يمكن أن يتجاوزها الشّركاء حتى لا يتعذّر عليهم التواصل؛ و"الاستراتيجيات" تمثل مختلف أنواع التشكيلات الخطابية المحتملة التي يعتمد عليها الموضوع الاتصالي، لأجل الوفاء بشروط العقد وتحقيق منظوراته الخاصة[24]؛ ولا يخرج "الخطاب الإشهاري" عن قاعدة شارودو في عمومها، بل هو ــــ كما يصفه هامل شيخ ـــ «خطاب تواصلي فعّال من حيث القيمة المعرفيّة والتّحريك الدّلالي، فهو يهدف إلى الإخبار بقصد التأثير»[25]؛ وما دامت السّلوكات اليوميّة ـــ في الغالب ـــ تلقائية ونمطيّة[26]، فإن استراتيجيّات "الخطاب الإشهاري" تتأسّس على غاية "الإقناع" وتستغلّ الممكن ممّا هو تلقائيّ ونمطيّ.
و"الإقناع" هو حمل المخاطَب على "الاعتقاد" أو على "إرادة فعل شيء ما"، حتى حين يكون سلبيّا أو عدوانيّا؛ فـ"الإقناع" مفهوم ينتمي إلى حقل "التّأثير"، وهو ممارسة اتصالية مضبوطة بما يوافق أهدافها، وتنبع من الفكر الاستراتيجي الذي يهدف إلى تحويل المتلقّي إلى "عنصر فاعل" و"صاحب قرار"، وهو ما يقول به ريمي فولبي (Rémy Volpi) الذي يرى أن أقرب السّبل إلى الإقناع يمرّ عبر "المناورة" (Le détour)، ذلك أن استراتيجية الإقناع تعتمد على عرض "رأي مشترك" أمام "المقتنع المحتمل"، لأجل عرض رأي آخر يكون على مسافة معقولة من الرأي الأول كي يكون مقبولا، وهكذا تتوالى المقترحات إلى غاية انخراط المخاطَب في الرأي المقصود[27]. أما فعالية الخطاب في "الإقناع"، فهي مرتبطة ـــ في حالات كثيرة ـــ بـ"المصدر" ومستوى الموثوقية التي يحظى بها، إذ كلما ارتفع مستوى الثّقة، ارتفعت قدرة المصدر في "التأثير"، وكان له دوره الفاعل في تحقيق أهداف الرسالة؛ ولكنّ هذا لا يشمل الأشخاص الذين يحسّون بأنّ موضوع "الإقناع" يشملهم ويدمجهم في خطابه، كما أنّ "المصدر غير الموثوق" يمكن أن يحقّق فعالية عالية في "الإقناع" إذا دافع على وجهة نظر تخالف توجهاته، وهو في هذه الحالة يكون أقوى من "المصدر الموثوق"[28].
أما أسلوب "خطاب الإقناع"، فإنّ تأثيره يمكن أن يبلغ موثوقية المصدر نفسها، وقد ينال منها إذا كان يميل إلى "الضعف" أو "التردّد" أو "التساؤل" ممّا يوحي بأنّه خطاب غير واثق، ولهذا، فإنّ مقتضى "خطاب الإقناع" قوّة الطّرح، ذلك أن الطرح القويّ/المتماسك يلقي على "المصدر" وبراهينه/حججه مظهرا إيجابيا، ويسهّل تمرير الرسالة؛ خاصة إذا عرف كيف يستعمل التركيبات المجازية، والتعابير المألوفة ذات الحمولة المعنوية العميقة في الوسط الاجتماعي[29].
وقد يكون واضحا أن تقنيات الإقناع متعدّدة، فهناك آلاف من هذه التقنيات التي يمكن أن تغيّر المواقف العامة؛ ولهذا، اختار روبير سيالديني أن يحدّد المبادئ التي يستغلّها الخطاب كي يؤثر على توجهات المتلقّي، ووزّع تقنيات الإقناع على ستة أصناف يرتبط كل صنف منها بمبدإ بسيكولوجي أساسي يخضع له السّلوك الانساني: المعاملة بالمثل (Réciprocité)؛ الانسجام (Cohérence)؛ الدليل الاجتماعي/الإجماع (Preuve Sociale)؛ التعاطف/اللّباقة (Sympathie)؛ السلطة (Autorité)؛ الندرة (Rareté)·؛ وهي في مجموعها ما يطلق عليه سيالديني وصف: "أسلحة التأثير"، فكلّ واحد من المبادئ يختزن قدرة كبيرة على تحريك سيرورة الإقناع بطريقة آلية، ويمكن لأي كان استثمار هذه القدرة إذا عرف كيف يذخر عملية إطلاق الآلية[30].
أما "المعاملة بالمثل" فهي تنبع من الإحساس بضرورة بذل مجهود لأجل ردّ الجميل، أو ردّ المزايا التي تقدّم بها الآخر، وهي قاعدة بسيطة يرافقها الإحساس بـ"الواجب"، وتشتغل في وضعيات كثيرة لا يتدخل فيها العنصر التّجاري مثلما هي الحال مع العيّنة المجانية" (échantillon gratuit)؛ ويرى سيالديني أن "واجب الردّ" بما هو جوهر "المعاملة بالمثل"، إنما هو نتيجة لـ"واجب القبول" الذي يحدّ من حريّة المتلقي ويضع القدرة على الاختيار بين أيدي الآخرين[31]، ما يمرّر أهداف مستثمر القاعدة بسهولة؛ فـ«الانسان الذي ينتهك قاعدة "المعاملة بالمثل" مع قبول هدايا الآخرين دون محاولة "الردّ" يتلبّس بصورة وضيعة في الوسط الاجتماعي (و) تلتصق به صفة "الانتهازي"»[32]؛ وهذا ما تستغلّه تقنيات التأثير عن طريق استراتيجية «الهبة/الهدية – الطلب» مثلا، أو استراتيجية «سحب الطلب» التي تعتمد على تقديم طلب إلى الشخصية المستهدفة، ثم سحبه لأجل عرض أكثر معقولية، ما يجعل الطلب الثاني يتمثل في شكل "توافق" يحفزّ "الضّحية" على منح "توافق" مقابل، وهذه استرتيجية تشتغل بكفاءة عالية مع مبدأ "التباين" (وضع قضية ثانية معقولة في ظلال قضية أولى تبدو غير معقولة)[33].
أمّا مبدأ "الانسجام" فإنّ أهميّته تنبع من ضرورة التكيّف مع الواقع العام، فالانسجام مع المجتمع يتساوق مع "الذكاء" و"قوّة الشخصيّة"، وهذا ما يجعل الرغبة في الانسجام نوعا من الهوَس، ما يترتّب عنه "التزام" يتحقّق بصفة آلية، فالشّخص الذي يسلك سلوكا معينا، يحرص على الانسجام مع سلوكه المعلن، ما يجعل المحيطين به يفترضون فيه آليا حسن النيّة والصّدق؛ ومن هنا يخلص سيالديني إلى أن "الالتزام"، مهما يكن ضئيلا، فإنه يمكن أن يغيّر الصورة التي يتخيّرها الشخص لنفسه، وهكذا يمكن تحضير طلبات بناء على "فضيلة الانسجام"، والتقنية هنا تقتضي تحقيق حدّ أدنى من الالتزام الذي يفتح الباب على التزامات أكثر أهمية[34]. ويتقاطع مبدأ "الإجماع" مع مبدإ "الانسجام"، فهو وسيلة لتحديد "ما هو خير/ما هو جيّد"، واكتشاف ما يظن الآخرون "أنه الخير"، ذلك أن الفكرة تكون "جيّدة" كلّما تكاثر عدد الذين يتوسمون بأنها "الفكرة الجيّدة"؛ ولهذا، فإن مبدأ "الدليل الاجتماعي" يشتغل بشكل جيّد، حين يبدأ الشّخص في ملاحظة سلوكات الناس الذين يشبهونه؛ ويكفي لإقناع الجماعة ـــ في هذه الحالة ـــ إقناع الشّخصيات المؤثرة في الجماعة، وإطلاق المبدأ ليشتغل آليا[35].
أمّا مبدأ "التعاطف" فهو بسيط، إذ يمكن بسهولة تلبية طلب يأتي من شخصية متعاطفة، غير أن "التعاطف" مفتوح على عوامل كثيرة تحرّكه، ومنها "أثر الهالة" الناتج عن خصائص معيّنة لشخصية تترك الانطباع الحسن عند المحيطين بها؛ و"المظهر" يحرّك ـــ في العادة ـــ هذا الأثر، ومن ذلك أن الشّخص الذي يبدو متناغما في مظهره، يوصف تلقائيا بأنه "ذكي" و"موهوب" و"طيّب" و"صادق" دون الإحساس بأنّ هذه الأوصاف إنما أحدثها تأثير المظهر. ولا يفوتنا أن الانسان عادة يميل إلى ما هو مألوف، تماما مثلما يميل إلى قبول المجاملات في عمومها، ما يوضح استغلال مبدأ "التعاطف" لصالح الغايات التجارية المحض، فيمرّ عبر آلية "التعاون" أو يصطنع مبدأ "المشاركة" الذي يؤثر تأثيرا مباشرا على الأحكام القيمية التي تبدو عفويّة، ما يسمح له بأن يكتسب فعالية عالية في حاضنة "التعاطف"[36].
ويختزن مبدأ "السلطة" قدرات غاية في الأهمية، فقد أثبت التاريخ، عبر كل مراحله، بأن انقياد الراشدين لمن يرونه ممثلا للسلطة، لا حدود له؛ ولقد أظهرت التجارب ـــ كما يقول سيالديني ـــ أن الأغلبية العظمى من الأشخاص الذين يتوسّمون أن السلطة رشيدة، يمكنهم أن يتجرأوا على القيام بما يرفضونه في حياتهم العادية، بل إنّهم قد يقبلون على ارتكاب فضائع من التعذيب والتنكيل بأشخاص مثلهم؛ ولا يرى سيالديني ما يدهش في السلوك الانقيادي، لأن المجتمع في أصله يتأسّس على مجموعة من المبادئ الحيوية التي تضمن استقراره، و"السلطة" من بين هذه المبادئ الحيوية[37]؛ أمّا مبدأ "السلطة" فهو يحتمل كثيرا من التخريجات باعتبار أنه يراهن على مكانة "الشّخصية" المرموقة، ويستغلها بما هي النموذج المفضل؛ بل إن سيالديني يذهب إلى أنّ لهذا المبدأ فعاليته في الإشهار حتى حين لا يعرض "سلطة حقيقية"، ذلك أن مظهر السلطة وحده يكون كافيا لتمرير الرسالة الإشهارية[38].
يبقى مبدأ "الندرة"، وهذا الذي يصفه سيالديني بـ"اللؤلؤة النادرة"، ذلك لأنّ فعاليته تكاد تكون مضمونة كلّما حرّك سيرورته، فهو يستغلّ "المفاعلة النفسيّة" (Réactance Psychologique)، (بما هي ردّ فعل سلبي/دفاعي تجاه كل محاولات التأثير[39])، بأسلوب معكوس يحقق التأثير اللازم لتمرير الرسالة؛ فالضغط بـ"الندرة" يولّد فكرة "الضّياع المحتمل لفرصة"، وهو ما يلقي بفكرة "المنافسة" الضرورية في مضامير البحث عن الموارد المحدودة، فالانسان لا يريد ما هو نادر فقط، وإنما يرغب بقوة في الحصول على ما يوضع في مضمار التنافس؛ وهذا ما يسهّل استعمال مبدأ الندرة في المجال التجاري تحت العناوين المعهودة: "كمية محدودة" أو"مدى زمني محدود".
بقي القول إن تقنيات تحريك سيرورة الإقناع/تغيير الموقف، تؤدي وظائفها حين تنضوي تحت هذه المبادئ النفسية التي وضعها سيالديني، وقد تكون التقنيات معقّدة بالنظر إلى الحقول المعرفية المتعدّدة التي تستمدّ منها قوّة التأثير، وطريقة التركيب التي تمنح المعاني قدرة على تمثيل الأشياء وفق مقتضيات العادات وردود الفعل الآلية.
- "كوكا كولا".. جمالية المناورة..
يحرص "الإشهار"، في الخطاب، على عرض المنتج المرغوب فيه والنماذج الراغبة في المنتج وفقا للمقتضيات الأساسية للاتصال الإشهاري، فهو يهدف إلى تحقيق "الفعالية" من خلال خصوبة المعنى وانتاجيته، ويدرك بأن بلوغ هدفه يقتضي إحكام بناء الصّور الزائفة التي ينبغي أن تبدو طبيعية، وتنتشر مثل الأساطير، أي مثل خطابات تخفي طبيعتها الخطابية، فتخفي ـــ بالتالي ـــ نزوعها الثقافي. ومن النادر أن يكون "الخطاب الإشهاري" إبداعا بسيطا، لأنّه يعتمد دائما على مرجعيّات بسيطة يمكن استيعابها بسهولة، وتكون مرتبطة بعادات الجمهور المستهدف[40]؛ ولهذا، فإنّه يمنح "الإبداع" (أدبيا كان أم فنيّا) مساحات مناورة واسعة كي يصطنع من الصّور ما يتسلّل إلى المخيال العام؛ فالإبداع خاضع ـــ في كل الحالات ـــ إلى إكراهات الانسجام مع المبادئ النفسية العامة، والتقنيات التي تتموضع ضمن تصنيفاتها، ما يعني أن "العبارة الأدبية" تستغلّ طبعها الانساني وتمرّر تحت غطائه الحيل التسويقية، وهي في الغالب تتعدّى جهد التسويق إلى تمرير الأيديولوجيات والرؤى السياسية والأفكار العقائدية؛ ما يتجسّد فعليا في المسار الذي اعتمدته المؤسسة المنتجة لمشروب "كوكا كولا" التي تمكّنت من التغلغل إلى فضاءات تبدو مستحيلة بالنسبة للخطاب الأمريكي، كما هي الحال مع انتشار مشروب "كوكا كولا" في دولة كوبا رغم العوائق الثّقافية والسّياسيّة، فقد «تمكّن الضّغط الدّعائي المخاتل من إحداث الشرخ في أشدّ البؤر الاجتماعية توتّرا ومناهضة للولايات المتحدّة الأمريكية، وفرض الذّوق السكسوني الذي عوّض الليمونادة المألوفة المصنوعة من ليمون حقيقي»[41].
ولقد ذهبت دعاية "كوكا كولا" إلى أبعد ممّا اجترحته في كوبا، فقد بلغت قوة خطابها إلى درجة تغيير المعتقد المسيحي حين راهنت على شخصية "بابا نويل" وجعلت منه إيقونة احتفاليات أعياد الميلاد المسيحية عبر العالم، رغما عن الأناجيل التي لم تسجّل مطلقا تاريخا معينا لميلاد المسيح، ورغما عن الواقع التاريخي الذي يؤكد بأن المسيحييين لم يكونوا يحتفلون بـ"الميلاد" قبل القرن السادس الميلادي؛ أمّا أصل الاحتفال فيحيل إلى مرجعيات وثنية فرضها الامبراطور قسطنطين، ومنها "الملوك الحكماء" (Les Rois Mages) الذي يهدون الذهب والبخور والعطور إلى المسيح (الرّضيع)؛ وظلّ هؤلاء مسيطرين على احتفالات الميلاد إلى غاية القرن التاسع عشر الذي شهد ولادة "بابا نويل" بلباسه الأحمر والأبيض المتناغم مع ألوان "كوكا كولا"، ليكون إضافة إلى التراث الدّيني المسيحي باعتماد لقب "الأب"، ويوزّع الهدايا على الأطفال؛ غير أنه يختلف عن "الملوك الحكماء" بطبيعته "التجارية"، فالهدايا ـــ مع "بابا نويل" لا توزّع إلا إذا اشتراها الأولياء[42].
ولقد رافق "الخطاب الإشهاري" لـ"كوكا كولا" أهمّ المحطّات التّاريخية منذ نشأة الفكرة في مختبر صيدلاني على يد جون بامبيرتون (John Styth Pemberton) عام 1886م، وكانت في بدايتها توصف علاجا للتشنجنات المعويّة والمغص الصّباحي، وشاع آنذاك أنّ "دواء كوكا كولا" يحضّر من أوراق "الكوكا" الذي يستخرج منه "الكوكايين"، وكان يستخدم حينها لتهدئة الآلام الباطنيّة[43]؛ واستغلّ بامبيرتون التّساؤلات التي حامت حول مكوّنات الذّوق الخاص لمنتحه، فأحاطه بألغاز متنامية جعلت "وصفة التّحضير" تيمة لأسطرة المنتج الذي تحوّل إلى "مرطب" مع تأسيس الشركة المنتجة للمشروب (The Coca-Cola Company) عام 1892م؛ لتبقى "وصفة المكوّنات" أسطورة تتواصل إلى يومنا هذا رغم أن «أبسط كيميائي يستطيع أن يحدّد، بدقّة، النسبة المائوية للخليط بمنتهى السهولة (...) وأفضل من هذا أنّ الشركة نفسها نشرت "الوصفة" عام 1985م على شبكة BBS، سلف أنترنيت التي نعرف اليوم»[44]·؛ ما يعني أن حكاية "الوصفة السّرية" لم تكن ـــ في مجملها ـــ سوى خطاب إشهاريّ أو آلية اتصال بالغة الفعالية، وهو ما يؤكّده ويليام رايموند الذي يقول بأن "شركة كوكا كولا" نفسها تتقبّل اليوم الحديث عن الوظيفة التّجارية المحض لما يعرف بـ"الوصفة الأصليّة"[45].
وتراكمت الأساطير على طول مسار "كوكا كولا" التي صمدت خلال أزمة 1929م بفضل استراتيجية الحملات الإشهارية المركزة، إلى أن حلّت سنة 1941م التي شهدت اقتحام الولايات المتحدة الأمريكية معترك الحرب العالمية الثانية، فاستغلت "كوكا كولا" الفرصة لوضع استراتيجية تدويل المنتج عالميا، وراحت تنشر صور توزيع القارورات المنعشة على المحاربين مجانا[46]، وتوزّع معها "القيم الأمريكية" التي ستصبح عنوانا لـ"العولمة" بعد نهاية الحرب الباردة، وتخوضها "كوكا كولا" بـ"الإشهار الدّولي" الذي لم يكتف بـ"الترجمة الحرفيّة" للومضات الإشهارية، وإنّما اشتغل على التكيّف مع خصوصيات كل مجموعة اجتماعية يستهدفها، دون أن يغيّر مبادئه العامة؛ ومنه أن صورة "كوكا كولا" في كل أنحاء العالم اعتمدت استراتيجية بسيطة للغاية عنوانها: "لا نغيّر شيئا".. لهذا تركت التعبئة والتغليف واللوغو والألوان والرسومات على حالها، ولم تستثن سوى الصين، أين اضطرت إلى تغيير الاسم إلى (متعة اللذة ـــ Kekoukele) بما يتوافق مع خلفيات تراثية صينية، ويحتفظ للنطق بما يحيل إلى الاسم المرجعي[47].
وكان لـ"شركة كوكا كولا" حظها الوافر في بلورة مفهوم "الإشهار الدولي" مع مطلع التسعينيات بعد سقوط جدار برلين (1988م) واستتباب الأمر للرأسمالية العالمية التي تجسّدت فعليا مع تأسيس "المنظمة العالمية للتجارة" (OMC) التي كرّست "التبادل الحرّ" وفتح الحدود أمام المنتجات الأجنبية والإشهار الدولي؛ ولقد حرص صناع الخطاب الإشهاري أوّل الأمر (1990م) على الطبيعة الوظيفية للاتصال··، فكان على مترجمي الومضات أن يبحثوا عن المكافئ الوظيفي لا المعنى الحرفي للرسائل؛ لتأتي المرحلة الثانية التي صار المترجمون فيها ملزمين بقراءة الصور التي ترافق النصوص وتضيف إليها، ما ألقى الضوء على أهمّية الصّورة؛ أما المرحلة الثالثة التي دشّنت القرن الواحد والعشرين، وأفادت من استقرار مفهوم "العولمة"، فقد شهد مقترح المترجمين المتعلّق بتكييف الومضة على مستوى النص ومستوى الصّورة معا، وذهبوا إلى تغييرات إيقونية توافق طبيعة كل بلد، ضمانا لاستقبال أفضل، ودعما لقوة الإقناع[48]؛ وانتهى خطاب كوكا كولا العالمي إلى توسّع كبير حتى في المناطق التي تناوئه، وصار يسهم في أدقّ الأحداث الدّوليّة، ليترك أثره ويرسّخ وجوده حيثما حلّ بخطاب ناعم يراهن على نوعيّة "الذّوق المنعش".
- نموذج خطاب الاختراق..
يعتبر الخطاب الإشهاري لـ"شركة كوكا كولا" واحدا من أقوى الخطابات عالميا، فهو يتسلّل عبر مختلف الوسائط، ويستغلّ كل دقائق الحياة ليمرّر رسائله، ولعل قراءة الومضة الإشهارية التي خصصها للمرأة السعودية بمناسبة القانون الذي يسمح لها بـ"سياقة السيارة"، تضع أمامنا ملامح استراتيجية الاختراق التي تنتهجها "كوكا كولا".
تتلخّص الومضة الصادرة يوم 02 نوفمبر 2017م في دقيقة وستة أعشار، تعرض "كوكا كولا" خلالها والدا سعوديا يعلّم ابنته السياقة على متن سيارة مرسيدس حمراء، وسط طريق صحراوي قاحل، يمتد بين عدد كبير من الأعمدة الكهربائية العالية الضّغط، وتظهر عمارات متراصّة في الأفق البعيد. تفتتح الومضة بمشهد تبادل الأماكن بين الوالد وابنته، وتستقر الفتاة أمام مقود السيارة، ليسلّمها والدها المفتاح، فتحاول الانطلاق بالسيارة، ولكنها تفشل مرتين، فيفتح الوالد قارورة كوكا كولا ويضعها على لوحة القيادة، وتكرّر الفتاة المحاولة، ولكن الحركة هذه المرة تكون قوية بعض الشيء، فتطير القارورة المفتوحة عن لوحة القيادة ليلتقطها الوالد ويمنحها لابنته التي تتناول منها جرعتين، ثم تنطلق بالسيارة يرافقها شعار (للتغيير طعم)، وتختتم الومضة بشعار كوكا كولا (ذوق اللحظة)[49].
وهنا، يجب أن نسجّل بأنّ الفضاء السعودي يمثل بؤرة توتّر مضادّة لخطاب كوكا كولا[50]؛ ولهذا ركّزت في ومضة "السياقة" على عامل "السّلطة"، فالفكرة العامة للومضة "حالفت" قرارا ملكيّا يواجه بعض التعقيدات في التطبيق بالنظر إلى "الخطاب السّلفوي" الذي رسّخ صورة دونيّة عن المرأة، والواقع المعيش الذي انسجم مع الخطاب ليحتفظ بالميراث الاجتماعي ومرجعيّته القبليّة التي تعود إلى التاريخ القديم، وتحيل إلى ظروف المعيشة المرتبطة بـ"الغزو" وما ينتهي إليه من "سبي" يستهدف النساء بصفة خاصة.
أما النّص المكتوب، فهو في مجمله لا يتعدّى أربعة جمل، تشير الأولى إلى مكان المشهد وتاريخه (الرياض نوفمبر 2017) وتتوسط الجملة الثانية المشهد من الأسفل باللّهجة السعودية (أب يعلّم بنته السواقة)، ثم جملة ثالثة تقولها البنت وهي تتسلّم المفتاح من أبيها (شكرا يا بابا) لتختم الومضة مع مشهد السّيارة وهي تنطلق مخلفة خلفها الغبار (للتغيير طعم)؛ ثم يظهر "لوغو" كوكا كولا" مرفقا بالشعار المعتمد حاليا (ذوق اللحظة)، وهو ما لم نر حاجة في إدراجه ضمن مكوّنات النصّ المكتوب لأنه من ثوابت ومضات كوكا كولا، مثلما لم ندرج "كلمات" الأغنية التي رافقت المشاهد، لأنّنا نتوسم أنّها خيار مشهدي مرافق للنصّ العام للومضة، ومعبّر عن النّص الصامت الذي يُقال عبر مختلف الحركات والانفعالات التي ترافق تصاعد الأحداث (الفرح، الخيبة، الخوف، التوتر، القلق، الثقة، القوة..).
لن نخوض في تفاصيل الومضة كاملة، ولكنّنا سنكتفي منها بالرسائل المضمّنة في الخطاب العام؛ ومن ذلك أن الصحراء القاحلة التي تخترقها أعمدة الضغط الكهربائي العالي يمكن أن تدلّ على الفضاء المضمون لتعليم السياقة دون وقوع حوادث، ولكنّها، من جهة أخرى، تختزن دلالات عن الواقع السعودي الذي يتمتّع بطاقات طبيعية عالية تسمح له بأن يكون في الرّيادة، ولكنه يبقى أسير الفراغ الذي يحيط بالسيارة من كل الجهات؛ ولهذا، تظهر العمارات في أقصى الصورة كلما تغيّرت المشاهد، ما يوحي أنّ الانطلاقة الأخيرة الناجحة للسيارة تمضي بها إلى العمران وما يختزن من دلالات المدنيّة الحديثة التي تتأسس على العلاقات العائلية المتينة، والعطف الذي ينبغي أن تحظى به المرأة، وهو ما تقوله ابتسامة الوالد حتى في الأوضاع الحرجة للإخفاق، وما تعبّر عنه ملامح الفتاة من إحساس بالخيبة حين تفشل ولا تكون في مستوى ثقة والدها، ولكنّ جرعتي كوكا كولا يمنحان الفتاة من الثقة بالنفس ما يجعلها تهدئ من روع والدها، فتضع الزجاجة على لوحة القيادة بإصرار، وتطلق المسار نحو المستقبل؛ لتكون كوكا كولا شاهدا على التغيير ومرافقا له.
- ختاما..
قد يكون الخطاب الإشهاري، في عمومه، مخاتلا ومخادعا، فهو يستثمر القيم الانسانية العليا لتمرير القيم المادية، بل ويمرّر الأيديولوجيات ويسهم في توطيد السياسات، ولكنّه في أصله خطاب وظيفي عابر للتّخصصات، يحسن استغلال متاحات الخطاب في كل الحقول؛ ويبقى أن "الإشهار" لا يخلق الحاجة، فـ"كوكا كولا" ـــ على سبيل المثال ـــ لم تخترع العطش كما يقول إدغار موران؛ ولا هي اخترعت الحاجة إلى قواريرها، وإنما يمكن الحديث عن العطش الذي استحال حاجة إلى كوكا كولا؛ وهنا تتجلى عبقرية مناورة الإبداع الأدبيّ، ويكتسي التسويق جماليته التي تمنحه القدرة على المرور الناعم.
المراجع
- بالعربية:
- خاين، محمد؛ الإشهار الدولي والترجمة إلى العربية، رهانات الاحتواء وإكراهات اللغة والثقافة؛ المركز العربي أبحاث ودراسة السياسات؛ الطبعة الأولى؛ 2015.
- غارسيا ماركيز، غابرييل؛ كيف تكتب الراوية؟؛ ترجمة: صالح علماني؛ الأهالي للطباعة والنشر؛ الطبعة الأولى؛ ب.ت.
- لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب خليل أحمد خليل، الجزء الثاني، منشورات عويدات ــ بيروت ـ باريس، الطبعة الثانية، 2001.
- هميسي، نور الدين؛ فصول من النقد: السيميائي والثقافي للاشهار؛ دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع؛ 2018.
- مجلة "اللغة والأدب" – جامعة الجزائر؛ العدد 12؛ شعبان 1418 - ديسمبر 1997.
- مجلة آفاق للعلوم – جامعة الجلفة؛ العدد 11؛ مارس 2018.
- مجلة رؤى فكرية – مخبر الدراسات اللغوية والأدبية؛ جامعة سوق اهراس؛ العدد الأول؛ فيفري 2015.
- En Français
- Altmanova, Jana; Du nom déposé au nom commun: Néologie et lexicologie en discours; EDUCatt - Ente per il diritto allo studio universitario dell'Università Cattolica; 2013.
- Bargiel,Réjane et Zagrodzki,Christophe; Le livre de l'affiche; Musée de l'affiche et de la publicité (France); Editions Alternatives;1985.
- Caron, André H et Caronia, Letizia; Culture mobile: les nouvelles pratiques de communication; PUM; 2005...
- Cialdini, Robert; Influence et manipulation; edi8; 2012.
- Dayan, Armand; La Publicité; Presses universitaires de France; 1987.
- Foucault, Michel; L'Archéologie Du Savoir; Éditions Gallimard; 1969.
- Girandola, Fabien; Psychologie de la persuasion et de l'engagement; Presses Univ. Franche-Comté; 2003.
- Guidère, Mathieu; La communication multilingue: Traduction commerciale et institutionnelle; De Boeck Supérieur; 2008..
- Koen,Titia et Luiggi, Marie-Hélène; Catépub: quand la publicité parle de nous; Editions Olivetan; 2001.
- Lane, Philipe (Dir); Des discours aux textes; Publication Univ Rouen Havre; 2006.
- Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité dans le discours publicitaire de presse écrite; Peter Lang; 2006.
- Reymond, William; Coca-Cola, l’enquête interdite; Editions Flammarion; 2006.
- Volpi, Rémy; La négociation: pain, paix, liberté; Editions L'Harmattan; 2009.
- Université Uludag; Journal de la faculté d'éducation; Volume: XVII, Issue:1; 2003.
- Dans ta Pub (Site) https://www.danstapub.com/
- Youtube (Site)
الهوامش:
[1] - Cf: Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité dans le discours publicitaire de presse écrite; Peter Lang; 2006; P 12.
[2] - Cf: Bargiel,Réjane et Zagrodzki,Christophe; Le livre de l'affiche; Musée de l'affiche et de la publicité (France); Editions Alternatives;1985; P 11.
[3] - Cf: Bargiel,Réjane et Zagrodzki,Christophe; Op.Cit; P 12.
[4] - Lugrin, Gilles; Les Genres de l'espace payant dans la presse publique; In: Des discours aux textes; Lane, Philipe (Dir); Publication Univ Rouen Havre; 2006; P 209.
- - قلنا: نسجّل هنا بأن العلامات الكبرى التي ما تزال متداولة إلى اليوم، نشأت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ونضرب مثلا على هذا بـ"Levi's" التي تأسست عام 1850م، "Coca Cola" عام 1886م، "Michelin" عام 1889م، "Philips" عام 1893م وغيرها. ينظر: المرجع نفسه، ص 12.
[5] - Cf: Altmanova, Jana; Du nom déposé au nom commun: Néologie et lexicologie en discours; EDUCatt - Ente per il diritto allo studio universitario dell'Università Cattolica; 2013; P 12..
[6] - Dayan, Armand; La Publicité; Presses universitaires de France; 1987; P 04.
[7] - Cf: Altmanova, Jana; Ibid; P 12.
- · - الحضور: أن يكون الشيء حاضرا ماثلا في الذهن، ويمكن مقارنة كلمة "حضور" بكلمة "غياب"، والحديث هنا ــ كما يقول لويس لافيل ــ عن حضور الشيء (المتكشف بالإدراك) من خلال معارضته مع غيابه، على الرغم من أن هذا الغياب عينه لا يمكن معرفته إلا بحضور آخر، هو حضور صورته، لكن عندها يكون حضورا يغلّف كل أشياء الفكرة الممكنة. ا.هـ. ينظر لالاند، أندريه، موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب خليل أحمد خليل، الجزء الثاني، منشورات عويدات ــ بيروت ـ باريس، الطبعة الثانية، 2001. مادة Présense، ص1031.
[8] - شيخ، هامل؛ في مفهوم الإشهار؛ في مجلة رؤى فكرية – مخبر الدراسات اللغوية والأدبية؛ جامعة شريف مساعدية – سوق اهراس؛ العدد الأول؛ فيفري 2015؛ ص 26.
[9] - Cf: KARA, Şeref; Université Uludag; Journal de la faculté d'éducation; Volume: XVII, Issue:1; 2003; P 140.
[10] - ينظر: خاين، محمد؛ الإشهار الدولي والترجمة إلى العربية، رهانات الاحتواء وإكراهات اللغة والثقافة؛ المركز العربي أبحاث ودراسة السياسات؛ الطبعة الأولى؛ 2015؛ ص 35؛ وينظر:Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité; Op.Cit; P 23.
[11] - Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité; Op.Cit; P 25.
[12] - شيخ، هامل؛ في مفهوم الإشهار؛ سبق ذكره؛ ص 26 و27؛ وينظر: Lugrin, Gilles;Ibid; P 24 et 25.
[13] - ينظر: شيخ، هامل؛ نفسه؛ ص 27 و28.وينظر:.Lugrin, Gilles;Ibid; P 25
[14] - Altmanova, Jana; Op.Cit; P12.
[15] - Dayan, Armand; Op.Cit; P 121.
[16] - هميسي، نور الدين؛ فصول من النقد: السيميائي والثقافي للاشهار؛ دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع؛ 2018؛ ص 14.
[17] - Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité; Op.Cit; P 27.
[18] - Caron, André H et Caronia, Letizia; Culture mobile: les nouvelles pratiques de communication; PUM; 2005; P 101..
[19] - Foucault, Michel; L'Archéologie Du Savoir; Éditions Gallimard; 1969;P 153.
[20] - Cité Par: Dayan, Armand; Op.Cit; P 03 a 05.
[21] - بوزيدة، عبد القادر؛ نموذج المقطع البرهاني (أو الحجاجي)؛ مجلة "اللغة والأدب" – جامعة الجزائر؛ العدد 12؛ شعبان 1418 - ديسمبر 1997؛ ص 306.
[22] - Lugrin, Gilles; Généricité et intertextualité; Op.Cit; P 129 à 132.
[23] - Ibid; P 61.
[24] - Cf: Charaudeau, Patrick; Cité par: Lugrin, Gilles; Ibid; P 81.
[25] - ينظر: شيخ، هامل؛ سبق ذكره؛ ص 28.بتصرف
[26] - Cialdini, Robert; Influence et manipulation; edi8; 2012; P 09.
[27] - Cf: Volpi, Rémy; La négociation: pain, paix, liberté; Editions L'Harmattan; 2009; P 25.
[28] - Cf: Girandola, Fabien; Psychologie de la persuasion et de l'engagement; Presses Univ. Franche-Comté; 2003; PP 17-23.
[29] - Cf: Ibid; PP 63-65.
- - قلنا: تذهب بعض الدراسات إلى أن روبير سيالديني تحدث عن سبعة مبادئ، وتضيف "مبدأ التباين" (Principe du contraste)؛ ولكن الصحيح هو ما ذكرناه (ينظر: سيالديني؛ سبق ذكره؛ ص 05)، وذا كان سيالديني قد تحدّث عن "مبدأ التباين"، فذلك لأنه يمثل أداة تأثير إجرائية تشتغل ضمن المبادئ السلوكية العامة التي اعتنى بدراستها، ثم إن "مبدأ/قانون التباين" ليس من السلوكات الانسانية، ولكنه من قوانين "الإدراك"، أي أنه عملية عقلية صرف، ولا علاقة له بالسلوكات النمطية؛ ثم إن سيالديني يصفه بأنه "مبدأ إدراك" Principe de perception.اهـ.
[30] - Cf: Cialdini, Robert; Op.Cit; P 11.
[31] - Cf: Cialdini, Robert; Op.Cit; P 21 et 22.
[32] - Ibid; P 24 (Adapté).
[33] - Cf: Ibid; 26 a 29.
[34] - Cf: Ibid; P 37 et 38.
[35] - Cf: Ibid; P 69.
[36] - Cf: Ibid; 98- 109.
[37] - Cf: Cialdini, Robert; Op.Cit; P 119.
[38] - Cf: Ibid; P 126.
[39] - Cf: Ibid; P 163.
[40] - Cf: Caron, André H et Caronia; Op.Cit; P 102.
[41] - ينظر: غارسيا ماركيز، غابرييل؛ كيف تكتب الراوية؟؛ ترجمة: صالح علماني؛ الأهالي للطباعة والنشر؛ الطبعة الأولى؛ بدون تاريخ؛ ص 15. بتصرف
[42] - Cf: Koen,Titia et Luiggi, Marie-Hélène; Catépub: quand la publicité parle de nous; Editions Olivetan; 2001; P 113.
[43] - ينظر: غارسيا ماركيز، غابرييل؛ نفسه؛ ص 16.
[44] - Reymond, William; Coca-Cola, l’enquête interdite; Editions Flammarion; 2006; P 31.
- - قلنا: BBS هو مختصر: Bulletin board system ما يعرف في الفرنسية بـ: système de bulletins électroniques؛ وهو نظام يوزع الرسائل إلكترونيا، كمثل النظام الذي اعتمدته وكالات الأنباء نهاية التسعينيات تحت اسم (Dnet).ا.ه
[45] - Cf: Reymond, William; Op.Cit; P 34.
[46] - Cf: https://www.danstapub.com/etude-sur-les-strategies-de-marque-coca-cola/- Consulté le: 19 Novembre 2018.
[47] - Cf: Ibid.
- · - قلنا: هي وظائف اللغة الستة كما حدّدها بوهلر (Böhler) وياكوبسون (Jakobson) ينظر: بوزيدة عبد القادر؛ سبق ذكره؛ ص 305.
[48] - Cf: Guidère, Mathieu; La communication multilingue: Traduction commerciale et institutionnelle; De Boeck Supérieur; 2008; PP 29-31.
[49] - لمطالعة الومضة الإشهارية: https://youtu.be/5dcksBDOcTI
[50] - قلنا: تعرّضت "كوكا كولا" في الحاضنتين العربية والإسلامية معا، إلى هجومات عنيفة مع مطلع القرن الواحد والعشرين، ذلك أن سياسة الهيمنة الأمريكية، وما انتهت إليه من جرائم انسانية في مختلف أصقاع العالم، وفي الشرق الأوسط بصفة خاصة، حرّكت دوافع المقاطعة التّجارية، ووضعت "كوكا كولا" ـــ بما هي الممثل الرسمي للسياسة الأمريكية ـــ على رأس أولويات المقاطعة التي تصاعدت لهجتها مع التهجمات المجانية لمتطرفي اليمين بأوروبا على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.ا.هـ
المقال منشور بمجلة الخطاب والتواصل: https://www.asjp.cerist.dz/en/article/83185