أفلام الأطفال المدبلجة.. تحرف أخلاقيات الطفل

مع وجود ندرة في برامج الأطفال والأفلام الكارتونية العربية التي كانت تحمل الكثير من القيم والمبادئ والثقافة العربية، وغيابها عن الساحة بشكل شبه تام جنبا إلى جنب مع الإعلام الهادف الذي يربي النشء ويدعم هويتهم، ظهرت برامج وأفلام الكارتون المدبلجة غربية الثقافة والمضمون لتحل محل تلك العربية، وتبث مضمونا جديدا في عقول النشء يمس هويتهم ويبدد أخلاقهم وقيمهم العربية الإسلامية؛ أصبحت أفلام الأطفال المدبلجة بمثابة قنبلة تتفجر كل يوم دون إدراك من المجتمع بخطورة ما تبثه من قيم غربية ومعتقدات لا تناسب بيئتنا وثقافتنا العربية، حيث يرى البعض بأنها تُعرض لمجرد التسلية، وتقدم لأطفالنا بنوايا حسنة دون أن ندرك أبعادها الثقافية والفكرية وما يقف وراءها من آثار سلبية على الأخلاق والهوية والعقيدة.


وبحسب الإحصائيات تنتج 70% من هذه الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية، وتنقل معها عادات المجتمع الغربي وعريه وسقوطه الأخلاقي، مما يجعل الطفل يعيش في صراع، ويشعر بالتناقض بين ما يشاهده وما يجده في مجتمعه من قيم وأخلاق، فتؤدي به إلى انحرافه أخلاقيا وقيميا ومن ثم سلوكيا.وقد أثبتت الدراسات والإحصائيات، أن الأفلام والمسلسلات والبرامج الكارتونية المدبلجة لا يظهر تأثيرها بمجرد مشاهدتها، وإنما يكون على المدى البعيد، أي أن التأثير يكون تراكميا، ونظرا لأن هذه الأفلام الكارتونية تحتوي على مشاهد عنف وخيال تعتمد على السحر والقدرات الخارقة، بالإضافة لاحتوائها على مشاهد مخلة بالآداب وألفاظ نابية، وإيحاءات جنسية، تكون نتائجها في سلوك الطفل وفكره نتائج وخيمة، وتؤدي إلى هدر المبادئ الدينية والأخلاق بشكل كبير، كما أنها تنمّي لدى الطفل روح الجريمة والسرقة والعنف.
ويحتل العنف حوالي 48% من المشاهد في الأفلام والمسلسلات المدبلجة، والذي يتنوع أشكاله بحسب ممارسات الشخصيات الكارتونية، بين 35% مشاجرات، و33% خديعة ومقالب، و14% معارك، و9% تعذيب وقتل، كما أن الأطفال يميلون لتقليد ما يشاهدونه بنسبة 81% للذكور، و35% للإناث.
وأشارت الدراسة التي أعدها المجلس العربي للطفولة والتنمية، إلى أن برامج الكارتون التي يتم استيرادها، معظمها تؤثر سلبا على الأطفال، لأنها لا تصور لهم الواقع ‏ولا القيم العربية، ولا حتى تعاليم الدين الإسلامي، فهذه البرامج تنقل قيم البلاد المنتجة لها، وتمثل ثقافتها.

وأكدت الدراسة على أهمية ‏‏وظيفة التلفزيون للطفل العربي باعتباره ينافس وظيفة الأب والأم، مستدلة على ذلك، بترديد الأطفال للألفاظ والعبارات والتراكيب التي يسمعونها،‏ ‏وتقليدهم للحركات والأصوات التي تمثل شخصيات أو حيوانات، إضافة إلى تقليد‏ ‏بعض اللهجات والشخصيات في سلوكها وفي أزيائها.

وبينت الدراسة أنه رغم سلبيات بعض البرامج إلا أنها مسلية للأطفال وتزودهم بالمعلومات وتنمي مواهبهم، لافتة إلى أهمية الدور التربوي لأفلام الكارتون ومسلسلات الأطفال العربية، حيث أنها قادرة على إنماء الطفل لغويا ووجدانيا وانفعاليا، وإمداده ‏بالخبرات الحياتية، وهو عكس ما تقدمه الأفلام والمسلسلات المستوردة للأطفال.‏ ‏

وأوضح الباحثون أن الأطفال يشاهدون تلك الأفلام والمسلسلات المستوردة لمدة قد تصل إلى عشرة آلاف ساعة بنهاية المرحلة الدراسية (المتوسطة) فقط، مما يجعل له تأثيرا كبيرا على فكرهم وسلوكياتهم،  فتلك الأفلام الغربية تبث المخاوف في نفوس الأطفال، ‏وتكسبهم القيم غير الملائمة للطفل العربي، ولا تساعد على تعديل سلوكه، كما أنها ‏لا تراعي الخصائص النفسية للطفل.‏

تقول د.هويدا مصطفى، أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة: الأفلام والمسلسلات وبرامج الأطفال الغربية المدبلجة تعكس عادات وتقاليد البلاد المنتجة لها، ولا شك أن الطفل يتأثر بها، وتساهم في تشكيل فكره، فضلا عن احتواء معظمها على العنف، مما يجعل الطفل يعتاد على هذه المشاهد، فتصنع منه شخصا عدوانيا، يمارس العنف في مجتمعه، موضحة أن المشكلة تكمن في أن الأطفال عندما يشاهدون الأفلام والمسلسلات الكارتونية المدبلجة يقع في ذهنهم أن هذه الأفلام تعكس الواقع الذي يعيشونه، وما يقوم به أبطال هذه الأفلام حقيقة، مما يؤثر عليهم سلبا.

ويضيف د. شاهين رسلان، استشاري الصحة النفسية: أن للتلفزيون تأثيرا كبيرا على الطفل يفوق أية وسيلة أخرى، كونه يعتمد على الصورة والصوت، ولا يحتاج إلى تعلم الكتابة والقراءة، ناصحا الأم بألا تترك أولادها ساعات طويلة أمام شاشة التلفاز دون رقابة منها وتوعية لأطفالها بما يشاهدونه، لما له من تأثير بالغ على الأبناء.

وأوضح رسلان أن تحديد عدد الساعات التي يقضونها الأطفال أمام شاشات التلفزيون يعتبر الحل لهذه المشكلة، على ألا تزيد عن ساعتين في اليوم، مع ضرورة توعية الطفل بكيفية التمييز بين الخيال التلفزيوني والواقع الذي نعيشه، وتحذيره من العنف وآثاره السلبية المدمرة، مثلما نحذره من الأضرار الأخرى التي تلحق بمن يدخن السجائر أو يتناول الكحول والمخدرات.

من جانبه، يشير د. محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، إلى أن المتابعة المستمرة لهذه الأفلام والتركيز الشديد في شاشة التلفاز قد يؤديان لتراجع النطق عند الطفل، وأيضا يشتت انتباه الطفل ويعزله عن محيطه وأسرته ويسبب له اضطرابا في الحركة، مطالبا بضرورة العناية بالبرامج التي توجه إلى أطفالنا، وأن يكثر الإعلام العربي من إنتاج البرامج الهادفة، ذات المضمون الجيد، التي تنشئ الطفل نشأة سليمة، من خلال بثها لتعاليم الدين الإسلامي.

وحذر قائلا: إن نتائج مشاهدة الأطفال للأفلام والبرامج الغربية ستكون إنتاج جيل تائه الهوية ومحرف العقيدة ودون انتماء لأمته ومجتمعه.

(الوكالات)