الذقن والتاج الفرعوني سمات قوة أم مجرد ديكور؟!

مظاهر الزينة والحلي في حياة المصريين القدماء لم تتوقف فقط على الشكل الجمالي، والمشغولات المرصعة بالأحجار الثمينة والذهب، حيث كانت لها دلالتها على معان عظيمة، كالملكية والإمارة والسلطة والمجد والشجاعة، فكل قلادة أو تاج أو لحية كانوا يرتدونها كانت لها معنى – ليس هذا فقط – وإنما ألوانها أيضا كانت دليلا على حالة أو وضع بعينه يؤكد ذلك المعنى، فالتاج الأزرق المصنوع من الجلد والذي يتم تثبيته أعلى الرأس حتى يظهر بوضوح أمام العامة، كان يدل على فخامة وعظمة من يرتديه، ويدل لونه على الحنكة والصرامة في الحكم، أما الذقن المستعارة فلها دلالاتها على التمييز الاجتماعي لأصحابها، حيث كان يرتديها الملوك والأمراء وأصحاب الأسر العريقة حتى يتميزوا عن العامة.


وعن التاج باعتباره من أهم إكسسوارات الفراعنة يقول د. عماد مهدي، عضو اتحاد الأثريين المصريين: إنه يتميز بأنواعه وألوانه المتعددة، التي تدل على معان مختلفة، حيث يوجد التاج الأبيض الذي يبلغ من التاريخ عتيا، لأنه ظهر في عصر ما قبل الأسرات، واستمر مع الحكام والملوك طويلا، نظرا لفخامته وعظمته وقوته التي أهلته ليكون التاج المعروف باسم “حاكم مصر”، بعد أن كان يطلق عليه “حدجت” انتسابا للونه الأبيض، حيث ارتداه أحد حكام مصر السفلى، وبعد انتهاء عصره حاز على إعجاب ملوك مصر العليا فكان رمزا لهم يعرفون به، وكان هذا التاج يأخذ شكلا أسطوانيا مصنوعا من المواد الجلدية الممتدة إلى أعلى لتختتم بشكل دائري، وهو ما يميزه عن غيره من تيجان الأسر الفرعونية والعصور المتتالية، حيث أعطاه هذا الشكل فخامة تظهره بصورة أنيقة ورقيقة، ويعتبره خبراء عدة أنه من أقدم تيجان مصر القديمة، لأنه يلصق به من أعلى لوحة لأحد ملوك الأسرة الفرعونية الأولى، ويدعى الملك “نعرمر”، الذي حكم مصر وكوّن أسرته الفرعونية بعد توليه حكم مصر بسنوات قليلة.

وتابع مهدي: كما يوجد التاج الأزرق ويصنف باعتباره من أهم إكسسوارات الملك “كامس″، حيث ارتداه أثناء حربه للهكسوس الذي عاون فيها أخيه الملك أحمس، ويطلق على هذا التاج اسم “خبرش”، حيث صنع من الجلد المرصع بالأحجار الثمينة والذهب، ليمنح صاحبه العظمة والفخامة والعزة، حيث يتم تثبيته أعلى الرأس أثناء مرور الملك بين جنوده، ليمنحه مزيدا من الهيبة والوقار وكذلك يستخدمه ليخلق الرهبة في قلوب أعدائه.

ويضيف د. عبدالرحمن عبود، أستاذ الآثار بجامعة أسيوط: التاج المزدوج يعد أكثر التيجان تداولا بين حكام الأسر المصرية القديمة، ويسمى بهذا الاسم لأنه يجمع بين اللونين الأبيض والأحمر، الذي تزامن ارتداؤه من جانب الملوك والحكام مع التاج الأبيض، كما أنه صنع من ذات المواد، وسمي بالأحمر نسبة إلى ملك مصر السفلى “حورس” الذي عبده كهنة الهكسوس، لاعتقادهم أن نسله يمتد إلى إلههم “حنبعل”، ولأنه كان يتميز بالقوة والشدة وكان محبا لإراقة الدماء، موضحا أن تاريخ التاج المزدوج يعود إلى الأسرة الفرعونية الأولى، التي تولت مهمة جمع قطبي مصر الشمالي والجنوبي لتحقيق وحدة البلاد، وجاء معنى التاج الأهم من هذا الحدث الذي جمع شمل الدولة المصرية القديمة، حيث أشارت الأسرة الفرعونية في التاج باللون الأحمر لمصر السفلى، وباللون الأبيض لمصر العليا، وعندما تعرضت الدولة القديمة للغزو من الخارج، كان الملك يرتدي التاج ويجلس بين جنوده، حتى يدركوا أن الوقت قد حان لتحرير البلاد من أيدي الغزاة وتوحيدها مرة أخرى، كما أن التاج كان يشير إلى التوحيد بين الآلهة المعبودة في قطبي الدولة.

من ناحيته، يشير رفيق عبدالله، الباحث الأثري بوزارة الآثار المصرية، إلى أن هناك أيضا الذقن المستعارة عند المصريين القدماء، والتي كانت من أجمل الإكسسوارات التي يرتديها الملوك والحكام، نظرا لأنها كانت رمزا للجمال والنظافة، فقد كانت تميزهم عن العامة الذين كانوا يحتفظون بذقونهم الطبيعية، ولكن الملوك كانوا يستغنون عنها مقابل لصق الذقن المستعارة المصنوعة من الذهب ومواد أخرى ثمينة، دليلا على نظافتهم ورقيهم، كما تدل على رفاهية الحياة وعظمة التفكير، وكذلك يرونها تمنحهم عظمة ووقارا. أما اللحية الكاملة فكانت تدل لديهم على عظمة المكانة الاجتماعية وعراقة الأسر ويعتبرونها رمزا للرجولة، لذلك حرصوا على استعارتها هي أيضا بدلا من نموها.

ويؤكد عبدالله، أن ملوك الفراعنة كانوا يستبدلون أحيانا الذقن الذهبية بأخرى مصنوعة من “شعر الماعز” أثناء حضورهم الحفلات الرسمية، حيث كانوا يعتبرونها وسيلة لتشبيههم بآلهتهم المفضلة، لذلك لم يكن ارتداء الذقن عادة خاصة بالملوك فقط، وإنما كانت الملكات يرتدينها أيضا، ولكن الفارق هنا أنهن اعتمدن على الذقن الذهبية دون أخرى، وكذلك كانت العصا من الإكسسوارات الهامة عند المصريين القدماء، والتي كانت تختلف من حيث مواد صنعها بين العامة والملوك، فقد كانت عصا الملوك تصنع من الذهب والفضة والأحجار النادرة ويلحق بها من الأعلى رأس ملتوية كرأس الأفعى، أو سلاسل من أحجار ذات ألوان متعددة، وكانت ترمز للسلطة والقوة والخلود بعد الموت، وكذلك تشير إلى عقيدته هو وأسرته الملكية، أما عصا العامة فكانت تصنع من مواد متداولة بكثرة مثل الخشب أو الحديد.