من أشغال الملتقى الوطني: “المفردات القانونية: مصطلحات أصلية وأخرى مقترضة”

إشكاليّات صناعة المصطلح القانوني في اللّغة العربية

ملخّص: يحاول المقال تفكيك بعض الإشكاليات التي تواجهها صناعة المصطلح القانونيّ في اللغة العربية؛ من خلال إثارة موضوع "التشتت الاصطلاحي" الذي أصبح ظاهرة تنسحب على كل الحقول المعرفية من جهة، ثم تبيين أهميّة العلاقة التي تربط العلوم اللّغوية بالعلوم القانونيّة من جهة أخرى؛ فـ"القانون" واحد من العناصر التي تشكّل الثّقافة، تماما مثل اللّغة؛ إذ يمكن التّعامل مع "النّظام القانونيّ"، وفق رؤية مجتمعيّة، بما يعكس من معايير اجتماعيّة وما يدمج من معقوليّات المجتمع الذي يعبّر عنه ويضبطه؛ أو برؤية لسانيّة، بما يربط القانون من نصوص في الحاضنة اللّغوية التي ينتمي إليها؛ ولهذا، تكون صياغة المصطلحات القانونية خاضعة، بكل ما تمتلك من أدوات، إلى إكراهات تاريخية وأخرى حضارية، تفرض العودة إلى الخلفيّات الفلسفية لأجل "توطين" المفاهيم في اللغة.

محمد كاديك

المقال منشور بـ(العدد الخاص) لمجلة "بحوث"  التي تصدرها كلية الحقوق (جامعة الجزائر 1)


غلاف مجلة "بحوث"
غلاف مجلة "بحوث"
فهرس المجلة
      فهرس المجلة

يثير كثير من الدّارسين، في الحاضنة اللّغويّة العربيّة، إشكالية "المصطلح"، ويشيرون عادة إلى "المفاهيم" التي تتعدّد تمثّلاتها اللّفظيّة، وتختلف تركيباتها الاصطلاحيّة، حتى أن "المفهوم" الواحد قد يتلبّس بألفاظ متعدّدة، ويتّخذ تخريجات كثيرة، فيضيع عليه متصوّرُه العام الّذي يرمي إليه ضمن منهجيّات البحوث؛ وهذه لم يسلم منها أيّ حقل معرفي؛ وصارت الشّكوى من صعوبة "ضبط المصطلحات" لازمة في التّقديمات، وتحوّلت إلى ثابت من ثوابت الأعمال العلميّة التي أصبحت ملزمة بشرح أساليب وآليات تجاوز المأزق الاصطلاحيّ الّذي يُعلّق ـــ في الغالب ـــ على قدرات "اللّغة" في استيعاب المفاهيم المستحدثة، أو ينسب إلى قصور الترجمة، أو إلى تخصّصات المترجمين التي قد لا تتلاءم مع مواضيع التّرجمة؛ غير أن الملاحظ هو أن الإشكاليّة التي يواجهها المصطلح في اللّغة العربية، هي نفسها في اللّغات جميعها، بدرجات متفاوتة، تتوافق مع التّراكم المعرفيّ الّذي يتوفّر لكلّ لغة، ما يعني أن المشكلة لها أسبابها الموضوعيّة التي تتجاوز الجوانب التّقنية لصناعة المصطلح، ولا تتوقّف عند حدود إمكانات "اللغة" وقدراتها على تمثيل المتصوّر الذّهنيّ.

ويردّ عبد السلام المسدّي إشكالية المصطلح العربيّ إلى "اختلاف الينابيع التي ينهل منها العلماء العرب اليوم"، ويرى أنّ علم "اللّسانيات" تحمّل على كاهله كلّ "أسباب التّشتّت الاصطلاحيّ بين العرب"[1]، خاصة وأنّ "علم المصطلح" ـــ كما يصفه دانيال غواديك (Daniel Gouadec) ـــ يعود في أصوله إلى "اللّسانيّات"[2]؛ ويمكننا أن نلمح "التشتّت" الذي تحدّث عنه المسدّي، في التّرجمات العربية لكتاب فرديناند دو سوسير (Ferdinand de Saussure)، فنجده موسوما بعنوان "علم اللّغة العام" عند يوئيل يوسف عزيز، ثم نكتشف الكتاب نفسه تحت عنوان: "فصول في علم اللّغة العام" عند أحمد نعيم الكراعين، ولا نلبث أن نلقاه معنونا بـ: "محاضرات في علم اللّسان العام" عند عبد القادر قنيني؛ وقد تكون هناك ترجمات أخرى تختلف مقارباتها الاصطلاحيّة بالتّأكيد، فلا يمكن للدّارس أن يميّز مصطلح Langage مثلا، لأنه يأتي "لسان" في ترجمة عزيز، و"كلام" في ترجمة الكراعين، والأمثلة عن هذه الاختلافات كثيرة على المستوى الاصطلاحيّ وعلى مستوى بنية النصّ العامة، وهو ما يجعل تلقّي عمل دوسوسير صعبا للغاية، ويكون لهذا الاختلاف الاصطلاحيّ في كتاب مؤسّس لـ"اللسانيات"، تأثيره على كل الحقول المعرفية الأخرى التي تعقد بالضّرورة "اتصالات وثيقة باللّغة"[3].

ولكن، هل يمكن أن نطمئنّ إلى تعليل المسدّي، ونتمكّن من التوصّل إلى الحلول المناسبة للإشكاليّات التي يطرحها المصطلح، بمجرّد فرض ترجمة وحيدة لكل عمل من الأعمال المؤسّسة لـ"اللسانيات" أو بمجرّد إحكام المصطلح اللّساني؟!، وهل يمكن اعتبار تعدّد التّرجمات سلبيا، أم أنّ هناك ما يسوّغ اعتباره أرضيّة ممهّدة لأجل إثراء نقاش عميق ينتهي إلى سبر أعماق النّظرية اللّغوية؟!.. ثمّ، ما الّذي يجعل اختلاف الينابيع التي ينهل منها العلماء العرب مضرّا بالمصطلح؟! ألا يمكن اعتبار اختلاف مصادر المعرفة إضافة لها أهميّتُها بالنسبة لعمليّة تدقيق "المصطلحات"؟!.. هل يمكن وضع معايير بعينها تحول دون إصدار ترجمات متعّددة لعمل واحد، أم أن الأمر مناطه الاجتهاد لتقديم التّرجمة الأقرب إلى روح النصّ المترجم؟! وما الّذي يمنع أيّ مترجم عن اقتراح ترجمة لعمل علميّ معيّن؟.. وقبل هذا كلّه، لماذا تمكّنت "اللّغة العربية" من إعلاء صرح علمي زاهر قبل أن يكون لـ"اللّسانيات" موضوعها المحدّد ومعناها المتعارف عليه اليوم، وهو يتجاوز مسألة "اللفظ" و"المعنى" كما نظّر لها عبد القاهر الجرجاني؛ وهل كان تعدّد ترجمات "بويطيقا" أرسطو ـــ مثلا ـــ من متى بن يونس إلى ابن سينا والفارابي وابن رشد، سببا في تشتّت المفهوم الأرسطي اليوم بين "الشّعرية" و"الانشائيّة" و"السّرديّة"؟!

  1. رهان "لغة القانون"..

وإذا تحدّثنا عن المصطلح القانوني في هذا السّياق، فإن الأمر تكون له خطورته، ذلك أن المصطلح في حقل القانون متعلّق بـ"الحقوق"، وكل تأويل مفترض لمفهوم بعينه، قد يكون له أثره على مقتضيات العدل، ثم إن "المصطلح القانوني" «له قيمة دلاليّة يجب أن تُحترم وتبعات قانونيّة ينبغي الحفاظ عليها»[4]؛ ولعلّ مونتيسكيو يكون أفضل من عبّر عن أهميّة ضبط المصطلح بدقّة حتى يؤدّي معناه، فقال إنه: «من الجوهريّ أن تثير ألفاظ القوانين ذاتَ الأفكار عند جميع النّاس»[5].

وليس يخفى أن علاقة "القانون" بـ"علم اللّغة" أصبحت مبينة مع منتصف القرن العشرين، حين جاء جون أوستين (John Langshaw Austin) بنظريته المتعلّقة بـ"الملفوظات الانجازية" (Énoncés Performatifs) ، فتبيّن أن النّطق بالجملة هو "إنجاز" لفعل أو "إنشاء" لجزء من الفعل، ومن ذلك الملفوظات التي تتحوّل إلى عقود قانونيّة بمجرد التّلفّظ، كما هي الحال في "عقد الزّواج" الذي يتحقّق مع النطق بـ"القبول[6]·؛ ولهذا نرى "القانون"، بما هو مجموع القواعد التي تنظم سلوك الأفراد في المجتمع، و"اللغة" بما هي نظام من العلامات المعبّرة عن أفكار، متماهيان بمثل تماهي "اللّغة" مع كل منتجات الفكر، وليسا متقاطعين في عدد من النّقاط يمكن حصرها، فـ"القانون" ـــ كما يقول بوريس بارو (Boris Barraud) ـــ «هو قبل كل شيء لغة، بل إنّه من الممكن أن لا يكون سوى لغة، وإذا اختصرنا معناه إلى "قواعد"، وكانت "القاعدة القانونيّة" دالاّ محمولا بمدلول (...) فإنّ "القانون" لن يتجلّى إلا بفضل الكلمات والملفوظات. و"المعيار" هو بالضّرورة رسالة لديها مرسلوها ومتلقّوها الذين ينبغي أن يمنحوها معنى متطابقا»[7]، بما يوافق ملاحظة مونتيسكيو.

ومع هذا، ليس يفوتنا أن نسجّل بأنّ "القانون" ليس علما دقيقا، وأن لغة القانون تعاني "تعدّد الدّلالات" الذي يسود العلوم الاجتماعية، وهو ما يقول به جان كلود جيمار (Jean-Claude Gémar)؛  ويصدق على كل لغات القوانين دون استثناء، ومن ذلك أن جيمار أشار إلى أن المصطلح المميّز لـ"القانون" (Droit) نفسه، في اللّغة الفرنسيّة، يعيّن  ـــ وفق سياق الاستعمال ـــ ما هو موضوعي، (أي القانون بما هو نظام)، أو ما هو ذاتيّ، (أي القانون بما هو حقوق)، وهو نفس الوضع بالنّسبة لمصطلحات قانونيّة جوهريّة، مثلما هي الحال مع مصطلح Acte الذي يحتمل معنيين اثنين على الأقل[8]. ويبقى أن التّعدّد الدّلالي ليس سلبيّا بالنّسبة للغة القانون، بل إنه طبيعيّ جدا بالنّسبة للغة تتعامل مع جميع جوانب الحياة الاجتماعيّة، وتعالج وقائع متغيّرة على الدّوام[9]؛ فإذا قلنا مع شوقي بنّاسي إن "المصطلح القانونيّ" لا يحتمل التّرادف، وأن مقتضياته الدّقة في التّعبير عن المفاهيم المقصودة بعينها[10]، فإنّنا نقصد إلى "سيرورة ضبط المصطلح" وفق الظّروف العامة التي تحيط به، ذلك أنّ الاصطلاح في القانون يرتبط في أصله باللّغة الأمّ، وليس يمكن أن ينمو إلاّ في حاضنتها.

وإذا كان لازار فوتشانيانو (Lazar Focsaneanu) قد أشار إلى تفرّد لغة القانون، بحكم أنّها اصطنعت مصطلحاتها المميّزة وتعابيّريتها (phraséologie) الخاصّة؛ وهو يقصد اللّغة في الضّفة الغربيّة بطبيعة الحال؛ فإنّه لم يغفل عن الصّعوبات التي يواجهها "المصطلح" حين يحتاج إلى التّرجمة، بل إن فوتشانيانو وصف صعوبات التّرجمة بأنّها "متصاعدة"، ومثله بوريس بارو الذي يرى أنّ «تعقيدات المصطلح القانوني تتفاقم (...) إذ صار مألوفا في الحديث أن يتصوّر متحدّثان الشّيء نفسه، ولكنّهما لا يستعملان نفس الدّال لتعيين المدلول المشترك، فيستعمل واحد منهما "معيار قانوني" (norme juridique) بينما يستعمل الثّاني "قاعدة قانونيّة" (règle juridique)»[11].

إنّ "لغة القانون" في حاضنة لغوية معيّنة ـــ  يقول جيمار ـــ تنقل "مفاهيم" يختصّ بها تراث الحاضنة اللغوية المعيّنة وثقافتها ونظامها، وحين تنتقل إلى لغات ونظم أخرى، لا تجد ما يكافئها ويعبّر عنها[12]، ولعلّ هذا الواقع يلقي الأضواء على الصّعوبات التي تواجه "المصطلح العربي" في كلّ الحقول المعرفيّة، وفي "القانون" بصفة خاصة، بما لديه من أثر مباشر على الحياة الاجتماعية على أقلّ تقدير، حتى إن كانت مفردات اللّغة العربية لا تحتمل التّرادف، فـ«المبرد وثعلب وابن فارس والعسكري وغيرهم من الاشتقاقيين أصحاب الحسّ الأدبيّ، ينكرون وجود التّرادف التّام (في اللّغة العربية) ويؤكدون وجود المعاني الفارقة بين الألفاظ التي تبدو وكأنّها مترادفة»[13].

ونعتقد أن رهان الدّقة والوضوح الذي يرفعه "المصطلح القانوني" لا يتوقف عند حدود الصّياغة نقلا أو اشتقاقا أو نحتا أو اقتراضا؛ فقد يعرض مشكلات مختلفة مع مصطلحات تبدو راسخة في الوضوح، ومثال ذلك مصطلح "جمهور" (Public) الذي تواتر أكثر من خمسين مرة، بمعناه المتداول، في الأمر المتعلّق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة·، ونصّ في مادّته الثلاثين على "حقّ المؤلف في استغلال مصّنّفه بأيّ شكل من الأشكال والحصول على عائد مالي منه"، ثمّ حدّد مختلف أشكال تبليغ المصنّف، وجعل بينها «إبلاغ المصنّف المذاع إلى الجمهور بواسطة مكبّر الصّوت أو مذياع أو تلفاز موضوع في مكان مفتوح»[14]، وهو ما دعا الدّيوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة بالجزائر، إلى تحصيل أتاوات استغلال المصنّفات الفنيّة من التّجار الذين يستعملون التّلفزيونات في محلاتهم، باعتبار أنّها فضاءات مفتوحة لـ"الجمهور"؛ ولكنّ محكمة العدل الأوروبيّة (Cour de justice de l'Union européenne)، التي تحتكم إلى قانون لا يختلف عن القانون الجزائريّ في مجال حقوق التأليف الخاضع لاتفاقيات دوليّة، عالجت نفس الفكرة، وأصدرت في 15 مارس 2012م، أمرا وضع حدّا لرغبة المؤلفين في الحصول على عائدات ماليّة من خلال الاستغلال غير المباشر لمصنفاتهم الفنيّة، فقد حكمت ضد المؤسسة المسيّرة لحقوق المؤلف "SACEM" لصالح طبيب الأسنان ماركو ديل كورسو (Marco Del Corso) الذي كان يذيع موسيقى في قاعة الانتظار بعيادته، فطالبته SACEM بأتاوة الاستغلال بحكم أنه "يذيع الموسيقى لجمهور في مكان مفتوح"؛ وقدّرت المحكمة في قرارها الرافض لمطالب مسيّر حقوق التأليف، أن معنى "جمهور" الذي يرمي إليه المشرّع "يقصد إلى عدد غير محدود من الذين يتوجّه إليهم بثّ العمل الفني"، واعتبرت أن عدد الذين يقصدون عيادة طبية محدود، فهؤلاء لا يمكن أن يمثلوا "جمهورا"؛ فإذا كان مفهوم "جمهور" يقصد إلى "عدد معتبر من الأشخاص"، فهذا يعني أن المفهوم "يتضمّن حدّا أدنى معيّنا يستثني الجموع الصّغيرة"[15].

ونلاحظ ـــ في هذا المقام ــ أنه من الصعب الانتباه سلفا، إلى ضرورة تحديد اصطلاح "جمهور"، ولا التّوافق على حدّ أدنى من الأشخاص يكتمل باجتماعهم "المفهوم"، باعتباره معروفا بالبديهة، ويمكن اعتبار "جمهور" من المفردات العامة، فهي من الكلمات التي تستمدّها لغة القانون من اللّغة العادية، كما يعرّفها جيمار[16]، ولكن هذا لم يمنعها من أن يكون لها دورها الفاصل في الحكم الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبيّة؛ ولهذا نذهب إلى القول بأن "المصطلح"، في لغة القانون، مفتوح على الممكن مهما تكن درجة استقراره.

  1. إشكاليات"الاصطلاح" في اللّغة العربيّة

منحت اللّغة العربية، في عصورها الزّاهرة، قدراتها كاملة لمختلف الحقول المعرفيّة، واستطاعت أن تكون لسانا قويما ناطقا بالعلوم على اختلافها، بل قدّمت الإضافات المفاهيميّة التي ما تزال إلى يومنا هذا تتواتر عبر لغات مختلفة في أصلها العربي، مثلما هي الحال مع "الخوارزميات" (Algorithmes) و"الجبر" (Algèbre)، وملفوظات أخرى كثيرة سجّلها توما كورناي (Thomas Corneille) في "معجم المصطلحات الفنية والعلمية" منذ عام 1694م، ومارسيل دوفيك (Marcel Devic) في "المعجم الاشتقاقي للكلمات الفرنسية ذات الأصول الشرقيّة" عام 1876م، وصولا إلى جان بريفو (Jean Pruvost) الذي وضع كتابا تحدّث فيه عمّا "تدين به الفرنسيّة للعربيّة"، ووسم كتابه بعنوان: "أجدادنا العرب" (Nos Ancêtres les Arabes) عام 2017م، ولقد سجّل تأثير ابن سينا وابن رشد على نهضة أوروبا، ودورهما الرّائد في إعادة بعث الفلسفة، وبناء المشهد الحضاريّ الأوروبيّ من خلال قراءتهما للميتافيزيقا الأرسطيّة وأعمالهما في مختلف العلوم[17].

والحاصل أنّ اللّغة العربيّة لم تضق بالمصطلح العلميّ، وإنّما فرضت له فروضَه، ووضعت تعريفاته، وضبطتَه حتى منحته ما يقتضي من الدّقة؛ ولقد اهتم العلماء بتدقيق التّعريفات، فوضعوا "قوانين الحدود" كما هي الحال مع أبي حامد الغزالي الذي نظّم دلالة الألفاظ، وميّز بين "المطابقة" و"التضمّن" والالتزام"[18]، ومثله ابن سينا الذي يكاد يتحدّث بلسان العصر وهو يقول: «يجب أن يُعلم أن الغرض من التّحديد ليس هو التّمييز كيف اتّفق، ولا أيضا بشرط أن يكون من الذّاتيات من غير زيادة اعتبار آخر، بل أن يتصوّر المعنى به كما هو»[19].

 وتزخر مكتبة التراث العربية بأعمال كثيرة ركّزت على تحرير المصطلح في مختلف العلوم، فمن "حدود" أبي الحسن علي بن حمزة الكسائي، و"حدود" أبي زكريا الفرّاء، و"حدود" أبي عبيدة معمر بن المثنى، إلى "رسالة المصطلحات الفلسفيّة" ليعقوب بن إسحاق الكندي، و"إحصاء العلوم" للفارابي، و"مفاتيح العلوم" للخوارزمي، و"تعريفات" الجرجاني، و"كليّات" أيوب بن موسى الحسيني الكفوي، و"التّوقيف على مهمات التعاريف" لعبد الرؤوف المناوي، و"كشّاف مصطلحات العلوم والفنون" للتّهانويّ، و"جامع العلوم في اصطلاحات الفنون" للأحمد النكري، وغير هؤلاء كثير ممّن علموا أن "اشتباه المصطلح" ـــ كما يصفه التهانويّ· ـــ يفسد المعرفة،؛ ولكن الحال اليوم تختلف كثيرا عما كانت عليه، فـ"المصطلح العربيّ" أصبح قاصرا عن الإبانة، عاجزا عن احتواء المفاهيم و"تصوّرها كما هي" (بلغة ابن سينا)؛ وهذه حال تردّها رجاء الدويدري إلى "تسارع التقدّم العلميّ" وما أنتج من "المصطلحات الجديدة التي دخلت ساحة المعرفة"[20]، وإن لم يكن "التقدّم" علّة مناسبة ـــ في تقديرنا ـــ فهو سيرورة طبيعية في التّاريخ، وهو لا يمكنه أن ينتظر عودة الغائبين الذين اضطرّوا إلى المرور بدهليز طويل يصفه مالك بن نبي بـ"مرحلة ما بعد الموحّدين"، بما هي مرحلة تمأسست في أثنائها القطيعة بين "الفكر" و"الوسط الاجتماعي"، فحجبت "الأفكار" عن الوجود التّاريخي، وحصرتها في دائرة "الوجود الصّناعي"[21]، وهو ما يمكن أن يفسّر ـــ في رأينا ـــ التّعدد والتّشرذم الاصطلاحيّ في متاهات الاجتهادات الفرديّة؛ فقد لاحظت الدويدري أن الفترة التي تشمل القرن الثّالث إلى القرن الخامس الهجري، كانت أخصب الفترات بالنّسبة للفكر العربيّ والمصطلح العلميّ، ووصفتها بأنها كانت أكثر عطاء وشمولا في مادة الاصطلاح[22]، ولكن الدويدري سجّلت قبل هذا أن الثّروة المصطلحيّة في كلّ لغة «هي مرحلة تالية لازدهار البحث العلمي»[23]، وهي المرحلة التي شهدت "الوجود التاريخي" للأفكار في الحاضنة اللّغوية العربيّة، ومنحتها فاعليتها في الحياة الاجتماعية.

وليس ما يدعونا إلى الخوض في مناهج "علم المصطلح" وأدواته في ضبط المصطلحات، فهذه تتواتر عبر كثير من الدّراسات التي تهتمّ بالموضوع وفق رؤى وتوجّهات مختلفة، ولهذا نركّز على الجانب الفكريّ، بما هو المؤسّس لكل نشاط معرفيّ، ولا شكّ أن الإشكالية العضال التي تطرح أمام "المصطلح العربي" عموما، هي غموض الخلفيّات الفلسفيّة التي نشأت في أحضانها "المفاهيم المؤسّسة"، فـ"المصطلح" يعبّر عن "مفهوم"، والمفهوم لا وجود له خارج التّفكير، ثمّ إن "اللّغة" ـــ كما يقول إميل بنفينيست (Émile Benveniste) ـــ إنّما تستعمل «لنقل "ما نريد قوله" أو "ما لدينا في أذهاننا" أو "تفكيرنا" أو اسما نعيّنه هو محتوى التّفكير، هذا المحتوى يصعب تحديده في ذاته دون خصوصيّات مقاصديّة أو شكل بنية فيزيائية (...) هذا المحتوى يأخذ شكله حين يُلفظ فقط، إنه يتشكّل باللّغة وداخل اللّغة بما هي القالب الذي تتشكّل فيه كل عبارة ممكنة»[24].

وبما أنّ الحاضنة اللّغوية العربيّة لا تنتج اليوم "المفهوم"، فإنّنا لا يمكن أن نتكلّم عن استحداث مصطلح عربي خالص، فهذا دونه فجوات تاريخيّة هائلة وفراغات معتبرة، فقد سجّل الجابري ذلك الفراغ المذهل الذي يجعل الدّارسين ينتقلون مباشرة من "عصر التّدوين"، بما هو علامة مرجعيّة فارقة في تاريخ الفكر العربيّ، إلى "عصر النّهضة" في القرن الثّامن عشر[25]، وهو ما يتسبّب في تشتّت معرفيّ يصفه محمد أركون بأنّه أنتج قطيعتين مزدوجتين يعاني منهما "العرب" على مستوى الخلق والإبداع، أولاهما قياسا إلى الفترة المنتجة والتأسيسيّة من تراثهم يعتقدون أنهم يعرفونها؛ والثّانية قياسا إلى العقلانية الغربيّة التي ما تزال تتطلّب معرفة منهجيّة دقيقة مختلفة عن تلك المعرفة المشتّتة والنّاقصة[26]؛ أمّا فيصل درّاج فيذهب إلى أن مفهوم "المرحلة التاريخية" نفسُه غير محدّد في الأدبيّات السّياسية والأدبيّة العربيّة، لينتهي إلى القول بأنّ "عصر النّهضة" لم يكشف سوى عن نزوعات حداثية أنجزتها جهود فردية أو جماعيّة لم تستطع أن تغيّر  من بنية المجتمعات العربيّة[27].

  1. صناعة المصطلح القانوني

لا شكّ أن "القانون" هو واحد من العناصر التي تشكّل الثّقافة، تماما مثل اللّغة؛ فهو يضبط الكليّات الثقافيّة، إذ يمكن التّعامل مع "النّظام القانونيّ"، وفق رؤية مجتمعيّة، بما يعكس من معايير اجتماعيّة وما يدمج من معقوليّات المجتمع الذي يعبّر عنه ويضبطه؛ أو برؤية لسانيّة، بما يربط القانون من نصوص في الحاضنة اللّغوية التي ينتمي إليها[28]؛ ولقد سبقت الإشارة إلى الفجوات التّاريخية المعتبرة التي تحول دون استخلاص المصطلح في الحاضنة العربيّة الّتي تفتقد إلى الخلفيّة الفلسفيّة المنتجة للمفاهيم الحديثة، وتذعن للخصوصيّات الثّقافيّة، أو ما يمتدّ إلى الجانب الحضاري، ومثال ذلك ما أشار إليه شوقي بنّاسي من ازدواجية مصادر التّشريع بالنّظام القانونيّ الجزائري الذي يعتمد على الفقه الإسلاميّ في قانوني الأسرة والأوقاف، بينما يعتمد على القانون الفرنسي في بقية القوانين[29]، ليسجّل عددا من الترجمات المصطلحيّة التي لم تتمكّن من التوصّل إلى ما يكافئ المعنى بدقّة، خاصة حين يضطرّ التّشريع إلى دمج مصطلح "الفقه الإسلامي" في "القانون المدني"[30]، أو الموازنة بين المصطلح الدّيني والمصطلح الدنيويّ، إن صحّ التّعبير.

وظاهر أن التّشريع، بما هو المصدر الأساسيّ للمصطلح القانونيّ، لا يمكن ـــ في حاضنته العربية ـــ  أن يستغني عن ازدواجيّة المصادر في زمن منظور، ذلك أن "الدّيني" يمثّل الالتزام العقائدي والعمق الحضاريّ، بينما يمثل "الدّنيويّ" مقتضيات الواقع الحديث الذي لم تتدرّج إليه الحاضنة العربيّة على مسار طبيعيّ في التّاريخ؛ فإذا وجدنا "التّشريع" ــــ في الحاضنة العربيّة مجملة ـــ ينهل من مصدرين اثنين، فهذا يعني أنّه يتعامل مع ثقافتين مختلفتين، بالنّظر إلى الواقع التّاريخي العربي، ومقتضيات الواقع الحضاريّ المعاصر الذي يتميّز بعولمة القيم، ويقحم، في الثّقافات العالميّة، مفاهيم كونيّة تحتاج إلى سيرورة زمنيّة كي تتأصّل اجتماعيّا وتنعكس على المنظومات القانونيّة في اللّغة؛ ومع هذا، يجب أن نسجّل أن القول بأنّ القانون بالجزائر يحرّر باللّغة الفرنسية ليترجم بعد ذلك إلى العربية، غير دقيق، ذلك أن مشاريع القوانين، دون استثناء، تدرس بلجان البرلمان بغرفتيه في لغتها العربية الأصلية، وكثيرا ما يفتح النقاش حول مصطلحات مختلفة بغرض رفع الغموض عنها، دون أن يكون للغة الفرنسية أيّ حضور، عدا النسخة المترجمة التي قد توزّع على النّواب.

وما دام القانون لغة، و"اللّغة العربيّة" لا تنتج "المفهوم"، فإنّ المصطلح العربي لا يبقى أمامه سوى ما يتوفّر للّغة من أدوات نموّها، لهذا، يكون في حاجـــة إلى "التّعريب[31]" و"التّرجمة[32]" و"الاقتراض[33]" وكلّ ما تتيحه قدراتها من نحت واشتقاق ومجاز؛ ولا ترى الدّويدري ضيرا في التّعريب كلما مسّت إليه الحاجة، وكلّما تعذّر العثور على كلمة عربيّة قديمة تقابل الكلمة الأعجميّة، ذلك أن العرب في القديم استعملوا الألفاظ الأعجمية وأدمجوها في لسانهم بحكم اتصالهم بالأمم الأخرى، وحاجتهم إلى مسمّيات لا توجد في الجزيرة العربية[34]؛ ونرى أنّ أهمّ مقتضيات العمل الاصطلاحي إنّما هو الالتزام بـ"حدود المفهوم" في الحاضنة اللّغوية التي نشأ بها، دون تحديد الآلية التي تضبطه وفق مناهج القدماء بالضّرورة[35].

هناك نقطة أخرى لها أهميّتها، وهي المتعلّقة بـ"التّكامل المعرفي"، فقد أثبتت الدّراسات البينية (Recherches Interdisciplinaires) نجاعتها، وأظهرت أهميّة مبدأ تكامل العلوم وتداخلها، ما يعني أن المعرفة القانونيّة تتداخل مع المعرفة اللّسانية كما سبق وألمحنا؛ بل إنّ العلوم القانونيّة هي ألصق العلوم الانسانية والاجتماعية باللّسانيات ذلك لأن القوانين في مجملها «قائمة على ضبط لغة الانسان وسلوكه، وأنّها تحاسب على عدم انضباط اللّغة والسّلوك إذا تسبّبا في إحداث ضرر للآخرين، وشروح القوانين وتفسيراتها هي أعمال لغوية، ترمي إلى ضبط فهم دلالات القوانين من أجل حسن التقيّد بها»[36]؛ وهو ما سبق إليه جيرار كورني (Gérard Cornu) فأصدر في 1990م "اللسّانيات القانونية" (Linguistique Juridique) الذي لم يعد أحد من المترجمين القانونيين يتجاوزه، فهو الكتاب الذي أحدث ثورة معرفيّة في موضوع الإصطلاح القانوني[37]، ولخّص عشرين عاما من العمل على إشكالية لغة القانون، وهي الإشكالية التي تحوّلت إلى حقل تفكير أساسي بداية من السّبعينيّات في فرنسا وألمانيا، أين لم يكن الحديث ممكنا عن "القانون" دون مرجعيّة "اللسانيات"، بل إن جان لويس سوريو (Jean-Louis Sourioux) اقترح في مقدمة كتابة "مدخل إلى القانون" (Introduction au droit) عام 1987م، تدريس القانون بالاعتماد على قواعد اللّسانيات[38]·.

وإذا كانت "اللّسانيّات القانونيّة" علما ناشئا، كما يصفها بوريس بارو، فإنّ اللّسانيات العامة لها جذورها القديمة في التّاريخ، وعرفت تطوّرا هامّا مع "النّحو المقارن" في القرن التاسع عشر واللّسانيات البنيوية في القرن العشرين[39]، وعرفت توسّعها مع الدّراسات البينية حين ظهرت الحاجة إلى ضبط المصطلحات في مختلف الحقول المعرفية، ومنها الحاجة إلى ضبط المصطلح القانوني، فصارت "اللّسانيات القانونيّة" حقلا معرفيا ضروريا لعلوم القانون لا يختلف في أهميته عن "فلسفة القانون"؛ ولم تختلف الحال بالحاضنة اللغوية العربيّة التي أدركت التّداخل البيني بين العلوم الشّرعية والعلوم اللّغوية منذ القدم، فجعل الأصوليون "الاجتهاد" مشروطا بـ"العلم باللّغة وأحوالها"، وقرروا أن يكون المجتهد «ملمّا إلماما طيّبا بأساليب العرب في الكلام ليتوصّل إلى إيضاح ما فيه خفاء من النّصوص، وإلى رفع ما قد يظهر بينها من تعارض»[40] ولهذا، لا نتعجب، مع حافظ علوي، إذا وجدنا أنّ الأصوليين كانوا نحاة وبلاغيين، وأنّهم استخلصوا الأحكام استنادا إلى مبادئ لغويّة تتصل بوجوه دلالة الخطاب، ومبادئ مقاميّة تتصل بأغراض الشّارع ومقاصد الشّريعة؛ غير أن الدّراسات البينية بين القانون واللّسانيات، في اللغة العربية، لم تجد في عصرنا ما ينبغي أن تحظى به من اهتمام، وهو ما يفسّره علوي بـ"عدم ترسّخ البحث اللّساني في الثّقافة العربيّة بالشّكل المطلوب"[41]، ونجده في ظلال حديث المسدّي عن "التشتّت الاصطلاحي العربي"، ليتجلى أمامنا أثر الفراغ الكبير الذي يفصل المجالين القانونيّ واللّسانيّ.

  1. خاتمة

حاولنا في مبحثنا هذا تفكيك بعض الإشكاليات التي تواجهها صناعة المصطلح القانونيّ في الحاضنة اللغوية العربية؛ من خلال تبيين أهميّة العلاقة التي تربط العلوم اللّغوية بالعلوم القانونيّة، فالقانون لا يتشكّل إلا من خلال اللّغة، ولا يمكن تطبيقه تطبيقا سليما إذا اعتراه الغموض؛ ولقد أشرنا إلى بعض العوارض التي تحول دون دقّة الاصطلاح، وأثرنا إشكالية الواقع الحضاري والتّفاوت المعرفي الذي يؤثر تأثيرا مباشر على صياغة المصطلح؛ فـ"لغة الشعب" ـــ كما يقول دوني ديدرو (Denis Diderot) ـــ إنما "تمنح مفرداتها الوفيّة لمعارف هذا الشّعب"[42]؛ لهذا نعتبر إشكالية الاصطلاح في اللّغة العربية، نتيجة طبيعيّة لواقعنا المعرفيّ، وخلاصة لمنتجنا العلمي، وهي الانعكاس لحالة فكرية تتواصل فيها عدم فاعلية "انسان ما بعد الموحدين"، فـ"اللّغة العربيّة" لا تضيق بـ"المصطلح" لأنّ طبيعة اللّغات النّمو، وأن اللّغة العربية تمتلك قدرة كبيرة على تطويع المعاني، والإحاطة بالمفاهيم.

بقي القول إنّه لا مناص عن العمل على توطين "المفاهيم" في الحاضنة اللّغويّة العربيّة، فالحديث عن أهميّة "اللّسانيات القانونيّة" في صناعة المصطلح القانوني العربيّ، يبقى في حكم التّنويه لا يتجاوزه إلاّ إذا ازدهرت حركة الترجمة والنشر والتأليف؛ أما "توحيد المصطلح"، ليتجاوز البيئة المحليّة، فهو غاية نبيلة لا نرى أسباب التوصّل إليها في مجال منظور، ذلك أن "إشعاع المصطلح" يبقى منوطا بجدته وحداثته والإضافة التي يقدمها إلى حقله المعرفي.


الهوامش:

[1] - ينظر: المسدي، عبد السلام؛ قاموس اللسانيات عربي – فرنسي فرنسي – عربي مع مقدمة في علم المصطلح؛ الدار العربية للكتاب؛ بدون طبعة ولا تاريخ؛ ص 55.

[2] -  Cf: Daniel Gouadec; Terminologie: constitution des données; AFNOR, 1990; P 13.

[3] - ينظر: دو سوسير، فرديناند؛ علم اللغة العام؛ ترجمة: يوئيل يوسف عزيز؛ دار آفاق عربية؛ 1985؛ ص 24.

[4] - بن محمد، إيمان؛ لغة القانون والترجمة في الجزائر.. إشكالات وحلول؛ مجلة "اللسانيات"؛ مركز البحوث العلمية والتقنية حول تطوير اللغة العربية؛ العدد 24؛ 2017؛ ص 120.

[5] - مونتيسكيو، دي سيكوندا، شارل لوي؛ روح الشّرائع؛ ترجمة عادل زعيتر؛ مؤسسة هنداوي للنشر؛ 2017؛ ص 998.

[6] - أوستين، جون؛ نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الأشياء بالكلام؛ ترجمة عبدالقادر قنيني؛ إفريقيا  الشرق؛ 1991؛ ص 16 وما بعدها.

  • - قلنا: عطفا على الإشكالية التي أثارها عبد السلام المسدّي، نلاحظ أن مترجم كتاب جون أوستين، عبد القادر قنيني، تعامل بورع بالغ مع المصطلحات التي وردت بـ"نظرية أفعال الكلام"، واضطر ـــ على سبيل المثال ـــ إلى نقل مصطلح Performatif باصطلاحين عربيين توسم أنهما يؤديان المعنى، فهو يترجم مثلا: «إني أقترح أن أطلق عليها مصطلح: جملة إنجازية أو عبارة إنشائية أو اختصارا الإنشاء» بينما يقول أوستين في الترجمة الفرنسية: « Je propose de I'appeler une phrase performative ou une énonciation performative ou - par souci de brièveté - un "performatif".»

والملاحظ هنا أن المترجم الفرنسي استعمل مصطلحا واحدا، يكاد يكون نفسه، على كل حال، في اللغتين الانجليزية والفرنسية، ولكن المترجم العربي استعمل (أو) للتخيير بين "الإنجاز" و"الإنشاء"، وراهن في ختام الجملة على "الإنشاء" رغم أنه لا يؤدي المعنى الذي يقصده أوستين كاملا، ولهذا ظل المترجم يراوح في الاستعمال بين "أنجز" وأنشأ". ينظر: أوستين، جون؛ نفسه؛ ص 17. وينظر: Austin, L.John; Quand dire, c'est faire; Traduction: Gilles Lane; Éditions du Seuil; 1re publicarion; 1970; P 41.

[7] - Barraud, Boris; La linguistique juridique; in La recherche juridique (les branches de la recherche juridique), L’Harmattan, coll. Logiques juridiques; 2016; P 153.

[8] - Cf: Gémar; Jean-Claude; Les enjeux de la traduction juridique.Principes et nuances; www.tradulex.com/Bern1998/Gemar.pdf; P 05 et 06; Consulté le: 04/02/2019.

[9] - التعدّد الدلالي في لغة القانون نوعان، أولهما التعدّد الدلالي الداخلي، وهو المتعلق بالمصطلحات ذوات الدلالات المختلفة داخل النظام القانوني الواحد؛ والثاني، التعدد الدلالي الخارجي، وهو اكتساب المصطلح لدلالة مغايرة لدلالته في اللغة العامة. ا.ه. ينظر: بن محمد، إيمان؛ سبق ذكره؛ ص 108.

[10] - ينظر: بناسي، شوقي؛ المصطلح بين علم المصطلحات وعلم القانون؛ مجلة بحوث (عدد خاص بأشغال اليوم الدراسي: المصطلح القانوني: لغة علمية وواقع عملي)؛ المجلس الإسلامي الأعلى، المجلس الأعلى للغة العربية، جامعة الجزائر 1؛ 2017؛ ص 22.

[11] - Barraud, Boris; Op.Cit; P 159.

[12] - Cf: Gémar; Jean-Claude; Ibid; P 06; Consulté le 04/02/2019.

[13] - سليم، محمد ابراهيم؛ مقدمة تحقيق الفروق اللغوية للعسكري؛ دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع؛ بدون طبعة ولا تاريخ؛ ص 06.

  • - ينظر: الجريدة الرسمية، العدد 44 الصادار يوم 23 جمادى الأولى 1424 ه الموافق لـ23 يوليو 2003؛ الأمر رقم 03-05 المؤرخ في 19 جمادى الأولى 1424 ه الموافق لـ19 يوليو 2003، ص 03 إلى 18.

[14] - الأمر رقم 03-05، المادة 27؛ سبق ذكره ص 07.

[15] -  لمطالعة قرار محكمة العدل الأوروبية، الرابط: http://curia.europa.eu/juris/document/document.jsf?docid=120443

[16] - ينظر: بن محمد، إيمان؛ سبق ذكره؛ ص 120.

[17] - cf: Pruvost, Jean; Nos Ancêtres les Arabes: Ce que notre langue leur doit; JC Lattès; 2017; P 18.

[18] - ينظر: أبو حامد الغزالي؛ معيار العلم في المنطق؛ تحقيق: أحمد شمس الدين؛ دار الكتب العلمية؛ 2013؛ ص 43 وما بعدها، أما قوانين الحدود، فهي في الصفحة 253 وما بعدها.

[19] - ابن سينا، نصر الدين الطوسي؛ الإشارات والتنبيهات؛ تحقيق: مجتبى الزارعي؛ بوستان كتاب قم؛ 1381 هـ. ص 62.

  • - ينظر التهانوي، محمد علي بن علي بن محمد؛كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم؛ دار الكتب العلمية؛ 2013؛ ص 05.

[20] - ينظر: الدويدري، رجاء وحيد؛ المصطلح العلمي في اللغة العربية:عمقه التراثي وبعده المعاصر؛ دار الفكر؛ 2010؛ ص 09 و10.

[21] - يتمثل مالك بن نبي بتراث ابن خلدون الذي ظهر في العالم الإسلامي دون أن يسهم في تقدّمه العقلي أو الاجتماعي، ويعلّل هذا الواقع بقوله إن «هذا التراث في ذلك العصر كان يمثل فكرة لا صلة لها إطلاقا بالوسط الاجتماعي» ا.ه. ينظر: بن نبي، مالك؛ مشكلة الثقافة؛ دار الفكر- دمشق؛ 2000؛ ص 47.

[22] - ينظر: الدويدري، نفسه؛ ص 172.

[23] - نفسه؛ ص 09.

[24] - Benveniste, Émile; Problèmes de linguistique générale; Gallimard; 1966; P 63 et 64.

[25] - ينظر: الجابري، محمد عابد؛ تكوين العقل العربي؛ مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت؛ الطبعة العاشرة؛ 2009 ؛ ص 38 و39.

[26] - ينظر: أركون، محمد؛ القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني؛ دار الطليعة ــ بيروت؛ الطبعة الثانية؛ 2005؛ ص 171 إلى 173.

[27] - ينظر: دراج، فيصل؛ الجداثة المتقهقرة: طه حسين وأدونيس؛ "مواطن" المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية؛ 2005؛ ص 97.

[28] - Cf: Roger Aboulou, Camille; Cultures Juridiques et Aménagement Jurilinguistique en Afrique; In: ASPECTS  (Revue) Cultures juridiques (Collectif); N 01; P 115.

[29] - ينظر: بنّاسي، شوقي؛ سبق ذكره؛ ص 25.

[30] - ينظر: نفسه، ص 26 و27.

[31] - تعريب الاسم الأعجمي، أن تتفوّه به العرب على منهاجها، فنقول عربته وأعربته، وقالت الدويدري إن مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وحد المفهوم الاصطلاحي للمعرب وعرّفه بأنه «كل ما استعمل في اللغة العربية من ألفاظ، سواء ألحقت بأبنية عربية أم لم تلحق». ا.ه. ينظر: الديودري، رجاء وحيد؛ سبق ذكره؛ ص 93.

[32] - ذكرت الدويدري أن مجامع اللغة العربية أصدرت قرارات في شأن "الترجمة"، منها «تفضيل الكلمة الواحدة على الكلمتين فأكثر، عند وضع اصطلاح جديد إذا أمكن ذلك، وإذا لم يمكن ذلك تفضل الترجمة الحرفية»، ينظر: نفسه، ص 102.

[33] - تقول الدويدري إن اللغويين المحدثين يصطلحون على "الاقتراض" بما هو: «أخذ كلمة أو أسلوب من لغة، واستعمالها في لغة أخرى».ا.ه. ينظر: نفسه ص 93.

[34] - نفسه؛ ص 95.

[35] - قلنا: لا شكّ أنّ أبا الوليد محمد ابن رشد من أكابر المترجمين الذين يعترف لهم بأنّهم تمكّنوا من نقل الفلسفة الأرسطية باقتدار، فهو من وضع مصطلح "مقولة" الذي يقابل المصطلح الأرسطي Categorias بعد أن ظل ينقل بلفظه إلى العربية؛ ولكن ابن رشد فشل فشلا ذريعا في تلخيص "بويطيقا" أرسطو، ذلك أنه اختار ترجمة مصطلحات "الشّعرية"، كما فعل مع "المقولات، فوضع "المدح" في مقابل "التراجيديا"، و"الهجاء" في مقابل "الكوميديا" وهما لا يستويان بإطلاق، ما جعل تلخيصه يحيد عن رؤى أرسطو، وتحوّل إلى حديث عن الشعر الغنائي الذي عدّه أرسطو ضمن الأنواع التي يعتزم الحديث عنها، ولكنه لم يتطرّق إليه في "البويطيقا"، ولهذا يتحدث بعض الباحثين عن جزء ضائع من عمل أرسطو؛ أما ابن سينا والفارابي معا، فقد عرّبا المصطلحات الأرسطية، فأثبتا "طراغوذيا" و"قوموذيا" و"ديثرمبي" وغيرها من المصطلحات التي لم يتمكنا من العثور على مقابلاتها العربية، وقدّما تلخيصات أقرب إلى أرسطو من تلخيص ابن رشد.اهـ.

[36] - علوي، حافظ اسماعيلي؛ بين اللسانيات والقانون؛ في: مجلة "المخاطبات"؛ العدد 12؛ أرابيسك ـــ تونس؛ أكتوبر 2014؛ https://platform.almanhal.com/Files/2/77360 consulté le 10/02/2019..

[37] - Cf: Bocquet, Claude;  La traduction juridique: Fondement et méthode; De Boeck; 2008; P 19.

[38] - Ibid; P 18.

  • - تنويه: علم اللسانيات اكتسب اسمه العربي بجامعة الجزائر كما يؤكد المسدي، فكان اصطلاحا عربيا استخلص المعنى كاملا، وعوّض "ألسنية" الذي ظل يجرّ اسم النسبة إلى الجمع، ويقول المسدي إنّ الذي كرّس المصطلح وبوّأه منزلة الإشعاع، هو صدور مجلة معهد العلوم اللسانية والصوتية، بجامعة الجزائر، تحت عنوان: "اللسانيات" عام 1971م. ينظر: المسدي، عبد السلام؛ سبق ذكره؛ ص 70 و71.

[39] - Barraud, Boris; Op.Cit; P 154.

[40] - طويلة، عبد الوهاب عبد السلام؛ أثر اللّغة في اختلاف المجتهدين؛ دار السلام؛ الطبعة الثانية؛ 2000؛ ص 05.

[41] - ينظر: علوي، حافظ اسماعيلي؛ سبق ذكره؛ اطلع عليه يوم 10 فيفري 2019.

[42] - Cité par: Guilbert, Louis; La spécificité du terme scientifique et technique; In: Langue française, n°17, 1973. Les vocabulaires techniques et scientifiques;  P 55.


  • المراجع

 بالعربية:

  • الكتب:

- ابن سينا، نصر الدين الطوسي؛ الإشارات والتنبيهات؛ تحقيق: مجتبى الزارعي؛ بوستان كتاب قم؛ 1381 هـ.

- أبو حامد الغزالي؛ معيار العلم في المنطق؛ تحقيق: أحمد شمس الدين؛ دار الكتب العلمية؛ 2013.

- أركون، محمد؛ القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني؛ دار الطليعة ــ بيروت؛ الطبعة الثانية؛ 2005.

- أوستين، جون؛ نظرية أفعال الكلام العامة: كيف ننجز الأشياء بالكلام؛ ترجمة عبدالقادر قنيني؛ إفريقيا  الشرق؛ 1991.

- بن نبي، مالك؛ مشكلة الثقافة؛ دار الفكر- دمشق؛ 2000.

- التهانوي، محمد علي بن علي بن محمد؛كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم؛ دار الكتب العلمية؛ 2013.

- الجابري، محمد عابد؛ تكوين العقل العربي؛ مركز دراسات الوحدة العربيّة، بيروت؛ الطبعة العاشرة؛ 2009.

- دراج، فيصل؛ الحداثة المتقهقرة: طه حسين وأدونيس؛ "مواطن" المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية؛ 2005.

- دو سوسير، فرديناند؛ علم اللغة العام؛ ترجمة: يوئيل يوسف عزيز؛ دار آفاق عربية؛ 1985.

- الدويدري، رجاء وحيد؛ المصطلح العلمي في اللغة العربية:عمقه التراثي وبعده المعاصر؛ دار الفكر؛ 2010.

- طويلة، عبد الوهاب عبد السلام؛ أثر اللّغة في اختلاف المجتهدين؛ دار السلام؛ الطبعة الثانية؛ 2000.

- العسكري، أبو هلال؛ الفروق اللغوية؛ تحقيق: محمد ابراهيم سليم؛ دار العلم والثقافة للنشر والتوزيع؛ بدون طبعة لا تاريخ.

- المسدي، عبد السلام؛ قاموس اللسانيات عربي – فرنسي فرنسي – عربي مع مقدمة في علم المصطلح؛ الدار العربية للكتاب؛ بدون طبعة ولا تاريخ.

- مونتيسكيو، دي سيكوندا، شارل لوي؛ روح الشّرائع؛ ترجمة عادل زعيتر؛ مؤسسة هنداوي للنشر؛ 2017.

  • المجلات:

- بحوث (مجلة) ـ عدد خاص بأشغال اليوم الدراسي: المصطلح القانوني: لغة علمية وواقع عملي)؛ المجلس الإسلامي الأعلى، المجلس الأعلى للغة العربية، جامعة الجزائر 1؛ 2017.

- الجريدة الرسمية، العدد 44 الصادار يوم 23 جمادى الأولى 1424 ه الموافق لـ23 يوليو 2003.

- اللسانيات (مجلة)؛ مركز البحوث العلمية والتقنية حول تطوير اللغة العربية؛ العدد 24؛ 2017.

- المخاطبات (مجلة)؛ العدد 12؛ أرابيسك ـــ تونس؛ أكتوبر 2014.

  • En Français:
  • Livres:

-  Austin, L.John; Quand dire, c'est faire; Traduction: Gilles Lane; Éditions du Seuil; 1re publicarion; 1970.

- Barraud, Boris; La recherche juridique (les branches de la recherche juridique), L’Harmattan; 2016.

- Benveniste, Émile; Problèmes de linguistique générale; Gallimard; 1966.

- Bocquet, Claude;  La traduction juridique: Fondement et méthode; De Boeck; 2008.

- Daniel Gouadec; Terminologie: constitution des données; AFNOR, 1990.

- Pruvost, Jean; Nos Ancêtres les Arabes: Ce que notre langue leur doit; JC Lattès; 2017.

  • Revues et Web:

ASPECTS  (Revue) Cultures juridiques (Collectif); N 01;.

- Gémar; Jean-Claude; Les enjeux de la traduction juridique.Principes et nuanceswww.tradulex.com/Bern1998/Gemar.pdf.

Langue française, Les vocabulaires techniques et scientifiques n°17, 1973.

- Site de la Cour de justice de l'Union européennehttp://curia.europa.eu