جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشّباب “علي معاشي”

تثمين الإبداع وإبراز المواهب المغمورة

تواصل جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشّباب، "علي معاشي" في طبعتها الخامسة عشرة، رسالتها السّامية في صناعة النّخب الجزائرية، ولقد تمكّنت، منذ تأسيسها، من تثمين فكرة "الإبداع" في شتى مجالات الفنون، لتحقق في عامها هذا، رقما قياسيا في مستويات المشاركة، وتكشف عن مواهب مغمورة عبر مختلف ولايات الوطن، وتمهّد للأسماء الجديدة في حاضنة النخبة، كي يكون لها إسهامها الفاعل في الجهد الوطنيّ.

كتب: محمد كاديك

ولقد أحسنت وزارة الثقافة إذ قدّرت الحاجة إلى "إنشاء جوائز تحفيزيّة وأخرى تقديريّة"، تضيف إلى "الجائزة" ما يدعم رسالتها، ويوسّع من قدراتها على اكتشاف المبدعين، كما أحسنت إذ عزمت على توسيع مضامير المسابقة إلى مجالات إبداعيّة جديدة، قد تفتح آفاقها في الطبعة المقبلة، وهذه ستكون إضافة لها أهميـّتها في دعم رسالة الجائزة التي تكتفي حاليا من المنظومة الأجناسية الأدبية بـ"الرواية" و"القصيدة" (كلاسيكية وحديثة)، مع أنّ "القصة" و"الأقصوصة" و"القصيدة الشّعبية" بأنواعها، وغيرها من الأجناس، لا تقلّ أهميّة عن "الرّواية"، ثم إن الدّراسات النّقديّة على اختلاف تخصّصاتها، هي الأخرى، ينبغي أن تحظى بالعناية، ذلك أن الشّباب الجامعيّ يصوغ الرّوائع من الأعمال النّقديّة التي توضع في كفّ النّسيان بمجرّد مناقشتها، ويضيّع المشهد الوطني أسماء يمكن أن تلمع في سماوات النّقد الأدبي، وكذلك الحال مع مختلف التّخصصات الإنسانيّة والعلميّة، والفنون على اختلافها من "فنّ الخطّ والزخرفة"، إلى "فنّ الخزف"، وكل ما يمكن أن يتحمّل بجهد "الإبداع"، وينشر أنواره.

  • احتفالية التّتويج..

وليس يفوتنا أن احتفالية تتويج المبدعين الذين يتمكنّون من إقناع لجنة التّحكيم، هي أهمّ محطّة في تحقيق أهداف الجائزة، وعلى هذا، فهي تحتلّ الموقع الأسمى في استراتيجية تمرير الرّسالة، لهذا ينبغي التّركيز على وقائعها بدقّة، ومحاولة الإفادة من كلّ تفاصيلها ودقائقها.

ولسنا نتحدّث هنا عن التّغطية الإعلامية، ولا عن التّرويج عبر الومضات والملصقات الإشهارية، وإن لم تكن في مستوى ما نترقّب من الحدث، ولكنّنا نرمي إلى الاحتفالية في ذاتها، فهذه ينبغي أن تستغلّ توقيتها كاملا، وتتحوّل إلى موعد يترقّبه الناس على اختلاف مستوياتهم، وهذا يتطلّب بعض الجهد على مستوى البرنامج العام للاحتفاليّة، كما يتطلّب إعادة النّظر في طبيعة التّعامل مع اللّحظات العليا.. لحظات تتويج المبدعين الفائزين، فقد بدا لنا، في أثناء توزيع الجوائز، أن التّفاعل وخفقان القلوب إنّما تحقّق مع الجائزتين الثالثة والثانية، (بحكم أن ترتيب التّوزيع كان تصاعديّا)، بينما ظهرت "الجائزة الأولى" دون جدوى، إلى درجة أن المنشّط كان يدعو الجمهور، في كل مرّة، إلى "تشجيع" الفائز الأول، بعد أن يستهلك الفائز الثاني كلّ طاقة الفرح، ويجعل المبدع الذي يتقدّمه في منزلة "تحصيل الحاصل".

ولا شكّ أن كلّ احتفاليّة إنّما يتحقّق لها معنى "الاحتفال" بالموسيقى والألوان، وحتى بالزغاريد التي تتصاعد من مختلف أنحاء القاعة، ولكن التّعامل الفولكلوري مع مظاهر البهجة، لا يقدّم الإضافة بالضّرورة، وقد يتحوّل إلى عامل تثبيط حين يقابل لهفة التّعرف على الفائزين، ويصطدم بالشّوق إلى اكتشافهم؛ وعلى هذا، استهلكت الاحتفاليّة وقتا ثمينا في التّجول عبر مختلف الطّبوع الغنائيّة، والأنواع الموسيقيّة، ولكنها غفلت، في مرّات كثيرة، عن عناوين الأعمال الفائزة، ولم تُحِل إليها سوى بالإشارة إلى الفئة التي تنتمي إليها وترتيبها، وكان ينبغي الاطلاع على صفحة الوزارة بموقع التّواصل الاجتماعي "فايسبوك" لأجل التّعرف على "العناوين"، بله عن المحتويات التي ينبغي الصّبر عليها إلى أن تنشر.

ولم نر فائدة تذكر من الدّعوات الكثيرة إلى منصة الاحتفال، فهذه أحدثت فراغات متتالية بالبرنامج، كان يمكن استغلالها بشكل أفضل، ونضرب هنا مثلا بأعضاء لجنة التحكيم الذين أخذوا وقتهم كاملا في الاصطفاف على المنصّة، وكان في الإمكان توفير وقت ثمين، لو اكتفى المنظمون برئيس اللجنة ينوب عن زملائه، وأخّروا الصورة التّذكارية لتؤخذ مع باقي الصور الجماعية في ختام الحفل.

هناك ملاحظة أخرى تتعلق بالشّاشة الكبرى التي تشرف على المنصّة، وهذه توقفت وظيفتها عند حدود عرض لافتة الاحتفالية، ولم يفد منها البرنامج إلا فيما يتعلّق بعرض أسماء وصور الفائزين والمكرّمين، إضافة إلى عرض مداخلة للمطرب الكبير معزوز بوعجاج، و"نشيد الفنان" لبلقاسم زيطوط، ولم تتجاوز الشاشة لافتتها في معظم الوقت.

  • ما نتوسّم من الجائزة..

وإذا كنا قد أشرنا، فيما سبق، إلى ما سجّلنا من نقائص، فهذا لا يعني أن الاحتفالية لم تؤدّ وظيفتها، فالكمال غاية لا تدرك، تماما مثلما هي حال إرضاء النّاس، وليس من شيء يتمّ إلا ويعتريه النّقصان، على رأي عمّنا المتنبي، والأسلوب الذي يتّبعه منظّمو الحفل يحقق أهدافه، ويمرّر الرّسالة ويحقّق لها من الثّمرات قدر جهده،  ولكن ما بلغته "جائزة علي معاشي" من نضج، وما أضافت من أسماء ذاع صيتها، يدعونا جميعا إلى التّفكير في صيغ تكون أكثر نجاعة، وأحسن أداء في صناعة النّخبة، ولهذا نقدّر أن مقتضى النّجاح أن نجعل من "الجائزة" حدثا وطنيا حقيقيّا ، فليس ما يمنع تطعيمها بأدوات التّشويق، ولا ما يحرمها من ألوان الأعياد، ولتكن الاحتفالية أسبوعا كاملا من النّشاطات عبر مختلف أنحاء الوطن، تشرح أعمال المشاركة، وتروّج للأسماء التي يمكن أن تحظى برضى اللّجنة، وحتى إن لم تفز، فإنّها تكون قد حقّقت الاختراق إعلاميا، فالتّغطية الإعلاميّة هنا ينبغي أن تكون مكثّفة، والرهانات ينبغي أن تكون حامية، وهذا – في اعتقادنا – يوسع من دائرة الفائزين بشكل جيّد، ويمنح النّخبة عددا من الأسماء أكبر ممّا تتيحه تراتبية الجائزة.

أمّا حضور الوزراء، وممثلي السلطات على اختلافها، فهو مما يمنح احتفالية الجائزة ثقلا، ويشرح الاهتمام الذي توليه للحدث، ولكن، مع الاحترام الذي نكنّه لكل صاحب مسؤولية، نرى أن الجوائز ينبغي أن توزّع على الفائزين من طرف أسماء لامعة في سماء الإبداع، ولعل جائزة الرّواية – على سبيل المثال – يكون لها وقعها على نفس الفائز، وتحمّله مسؤولية المواصلة، حين تأتي من يد واسيني الأعرج، أو أمين زاوي ورشيد بوجدرة  وغيرهم من الذين صنعوا أمجاد الرواية بالجزائر، بل إن حضور الأسماء المثبتة في النخبة الجزائرية إنّما هو الإيذان بالأبواب المشرعة على المستقبل أمام الشباب الذي يتوثّب إلى الأرقى، ويرجو تحقيق الأفضل.

ولا ينبغي أن تمرّ لحظة تسليم الجائزة خاطفة، تختمها صورة تذكارية وتمضى إلى حال سبيلها، فلا تثبت إلا في ذاكرة الفائز وأقاربه، ولا نرى لتجاوز هذا، سوى استغلال الشاشة الكبرى التي تشرف على المنصّة في تقديم الفائز بشكل يليق بعنصر جديد ينضمّ إلى النّخبة الوطنية، وذلك من خلال الاحتفاء به، وتقديمه، وقراءة شيء من عمله، أو عرضه، إن كان في فئة الرسم التشكيلي أو الرقص أو الموسيقى، ويكون العرض مرفقا بشروحات تركّز على نقاط قوة كل عمل، وهذه يتكفّل بها أعضاء اللّجنة، كلّ على حسب تخصّصه، فتمنح الجمهور مسوغات الفوز من جهة، وتسمح بتجنّب ذلك الاصطفاف غير المجدي على المنصة من جهة أخرى.

ولتكن لحظات توزيع الجوائز محاطات تشويق حقيقية، وهذه ينبغي لها أن تجد صيغة تكفل للمرتبة الأولى، والمراتب التي تليها، الحظوة بـ"التشجيع" تلقائيّا، عوضا عن المطالبة به من قبل المنشط في كلّ مرة.

  • ختاما..

وفي كل حال، تبقى "جائزة رئيس الجمهورية للمبدعين الشباب "علي معاشي"، منبرا راقيا، ومنارة سامية، تؤدي وظيفتها التي تحمّلتها، فمنحت الوطن أسماء لم تكن ليتاح لها خيط نور لولا "علي معاشي"، وهذه أسماء ما تزال تردّ الجميل بفتوحات إبداعية، وجوائز دولية، حلّقت بها في ذرى العالمية، ولقد عرف القائمون على الجائزة كيف يقدمون ما يلزم من إضافات تدعم الجهود المنيرة، وتحقّق لها ثمراتها في الواقع.


نشر المقال بجريدة الشعب يوم 19 جوان 2021

وتأخر نشره لأسباب تقنية محض