روايات غربية تشوّه صورة العربي

لماذا تبدو صورة العربي في الآداب الأجنبية مزيفة عن حقيقتها في واقعنا؟ لماذا يحاولون تصوير العربي بأنه إرهابي متعطش لسفك الدماء حتى وإن كان يدافع عن حقوقه؟ صور كثيرة نلمحها في الثقافات الأوروبية تتهم الشخصية العربية بالجهل والتخلف والجمود الفكري، حتى أنهم يتخيّلون أن مصر ثلاثة أهرامات وجمال.

 

ويشير البعض إلى أن السبب في تلك النظرة يرجع إلى المستشرقين الذين صوّروا العقلية العربية بشكل مغاير ومناف للواقع، بالإضافة إلى بعض الكُتّاب العرب الذين سعوا إلى الشهرة والمصالح الشخصية من خلال كتابة وترجمة أعمال لا تتناسب ولا تُعبّر عن المجتمع العربي ولا عن الشخصية العربية.

يوسف القعيد
يوسف القعيد

الروائي يوسف القعيد في رأيه العرب في الروايات الغربية غالباً ما يظهرون كحثالة ورعاع، فالكتاب الغربيون لا يهتمون برسم معالم كاملة للشخصية، ولكن يكتفون باستعراض الجوانب السلبية فقط، على الرغم من أن خلق شخصية متكاملة هو ما يجعل القارئ ينجذب لقراءة الرواية.

وأضاف: غالبية الأعمال الروائية التي تتعرّض للعرب والمسلمين تتناولهم في بيئة سيئة، مليئة بالفقر والجهل والقذارة، والعديد من الأعمال تتناول العداء الذي يكنه العرب لليهود والسامية، وتحاول أن تجسّد الخلاف الفلسطيني في صورة خلاف ديني بين اليهودية والإسلام، فمعظم الأعمال لا تفرّق بين العرب على أساس مسيحي أو مسلم أو علماني، بل تضع المجتمع العربي والإسلامي كله في سلة واحدة.

ويضرب مثالاً لذلك برواية “البحث عن سناء” للروائي ريتشارد زيملا، حيث يتحدث الكاتب عن حقيقة سناء الفتاة التي جاءته تطلب توقيعه على أحد كتبه ثم انتحرت، ويبحث عن أسباب انتحارها ويبحث عن أسرتها، فيجد أن والدها فلسطيني “معاق” يأخذ كلاب المستوطنين المقيمين في الجوار اليهودي مقابل مبلغ من المال، واستخدمته “حماس” للقيام بعملية انتحارية داخل الكيان الصهيوني لتقوم السلطات الصهيونية بالقبض عليه ووضعه في السجن.

ويشير الروائي علاء الأسواني، إلى وجود أعمال ركيكة تُقدّم صورة ذهنية خاطئة، مثل اضطهاد الأقباط والمرأة في العالم العربي، وللأسف وسائل الإعلام العربية تروّج وترسّخ هذه المفاهيم وتزعم بأن عصر العمالقة قد ولّى وانتهى، فمن خلال تواصله مع القارئ الأوروبي أدركت أن هناك صورة نمطية عن الإنسان العربي، فهم يحكمون على الأديب أو الإنسان العربي باعتباره يمثّل كل المنطقة العربية ولا يمثّل نفسه فقط، ولذلك عندما يتورّط أي شخص عربي في عمل إرهابي أو حتى يصرّح بتصريحات عنيفة، يتهمون كل العرب بالإرهاب ويكتبون عنهم صفات ليست موجودة فيهم.

وفي رأي للروائي والناقد أبو المعاطي أبو النجا، أن النظرة السلبية للعربي داخل الأعمال الغربية ترجع إلى عدم معرفة الأدباء بالواقع الثقافي العربي، حيث أثّر الاستعمار وكثافة الهجرة والعلاقات السياسية المتوترة على تقبّل الآخر لشخصياتنا وأعمالنا، وجاءت أحداث سبتمبر 2001 لترسّخ الصورة السلبية في العقول الغربية عن العرب، بالإضافة إلى ذلك لم تصل للغرب أعمال كثيرة من إبداعنا لكي يتعرّف عليها.

ويضيف: أدباؤنا العرب في بواكير النهضة العربية ركّزوا على الإنسان الأوروبي بوصفه الآخر الذي يسعى للتعرّف عليه والتعاون معه وليس محاربته، بالإضافة إلى أن بعض الروائيين العرب الذين يسعون إلى فرض أنفسهم على الترجمة يتجهون إلى موضوعات تستهوي صحافة الإثارة التي ترصد عيوب المجتمعات العربية لتشفع بها، وهناك دور نشر أجنبية تبحث عن نصوص تتناول موضوعات الجنس والتزمّت الديني لتجذب القُرّاء. ففي رواية “أبواب المسجد” للكاتب أندي ديلنز يتحدث عن فتاة فلسطينية تعمل خادمة، ويُقتل أخوها وابن عمها بواسطة الصهاينة، وتحاول أن تصبح استشهادية ولم تستطع ذلك إلا بعد موافقة ولي الأمر، وتأخذ إذن أحد أعضاء المقاومة الفلسطينية لأنها يجب أن تأخذ إذن رجل قبل القيام بأي شيء، وهذا يوضح نظرتهم “لولي الأمر” فكتبوا عنها بصورة خاطئة، وهذا دليل على عدم معرفة مَنْ يكتبون عن العرب بالصورة الحقيقية لمن يكتبون عنهم.

انتقاد مبالغ

ويرى الناقد د. محمد عبد المطلب، أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب جامعة عين شمس، أن بعض المفكرين العرب المرتبطين بالغرب يسعون إلى انتقاد الأوضاع العربية بصورة مبالغ فيها، وهو ما جعلهم يحصلون على جوائز الغرب واهتمامهم الإعلامي، وهؤلاء الكُتّاب يُبالغون في تصوير السلبيات مثل جرائم الشرف والختان، حتى يستحوذوا على اهتمام الغرب، وهو ما يؤثّر في صورة العرب بالسلب، فهناك كاتبة مشهورة تناولت قضية الختان واهتم بها الغرب كثيراً، بالإضافة إلى ذلك فالكتاب الغربيون يتناولون شخصية العرب داخل روايتهم على أنها شخصية ضعيفة تؤمن بالخداع والخزعبلات والعفاريت  والجن والعلاج بالقرآن الكريم، فيعتبرونه نوعاً من التخلف، فهذه الصورة للعرب داخل الروايات تشكّل صورة ذهنية خاطئة لدى الرأي العام الغربي، مما يؤثّر على موقفهم تجاه القضايا السياسية العامة.

وطالب بضرورة أن يهتم الروائيون العرب بتسويق أنفسهم في الغرب لمواجهة تلك الروايات، فمن خلال ترجمة الروايات العربية وتوزيعها في الخارج ستظهر الصورة الحقيقية للشخصية العربية، وناشد المركز القومي للترجمة لكي يترجم الروايات الجيدة التي تعلي من قدر الشأن العربي في الخارج.

بينما ترى د. ابتسام محمود أبو الفتوح، أستاذ الأدب الأوروبي بجامعة حلوان: إن صورة العربي في الأدب الأوروبي تتسم دائماً بحضور شخصية متعجرفة غير مثقفة تبحث عن المتع والمال، وتهتم بدخول نوادي القمار لإنفاق المال دون حساب، وتحوّلت هذه الصورة أكثر في الأفلام الأجنبية التي تكاد لا تخلو من رجل عربي يمثّل الثروة ويُتاجر في الممنوعات، ويُمارس كل ما هو محرّم وممنوع في وطنه العربي، وذلك من أجل المال والسطوة والنفوذ.

والصورة تبدو أيضاً بشعة في الأدب الصهيوني الحديث، حيث يصوّر الشاعر الصهيوني الشخصية العربية الفلسطينية بأنها شخصية دموية تهوى سفك الدماء وممارسة الإرهاب والذبح.

لذلك علينا أن نُعيد بناء شخصيتنا العربية في الأدب الذي نكتبه بصورها الحقيقية دون ابتذال أو استغراق في الخيال، ونوجه إعلامنا لانتقاد صورنا المزيفة في الآداب الأوروبية الرخيصة.