نظرية الفيلم في رؤية توني مكيبن

يضم كتاب “محاضرات في نظرية الفيلم” للكاتب توني مكيبن بين دفتيه، مجموعة مُنتقاة من الدراسات المتخصصة في الفيلم السينمائي في أسلوب شيّق ورصين، يقدّم فيضاً من المعلومات للمُتخصص والمتابع للفن السينمائي.

 كتب: أيمن رفعت

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

ما أهمية نظرية الفيلم؟ يجيب المؤلف: نحن نقرّ مُسبقاً أن النظرية يمكن أن تصبح لغة استعلائية وجدالاً بين المنظرين أنفسهم، الذين لا يملكون إلا القليل ليعملوه مع السينما نفسها، وأن الأفكار يتم استحضارها من خبرة مشاهدة الأفلام، وأنه من المفيد أن نفكر في تعليق بول كوتس في “قصة الانعكاس المفقود”، حيث قال: إن نظرية الفيلم وُجدت للناس الذين شاهدوا القليل من الأفلام، حتى يستطيعون مُمارسة النقد السينمائي.

وفي المقابل، لا يوافق عليه ستيفن برنس، ففي مقال بعنوان “نظرية فيلم التحليل النفسي والمشاهد المفقود”، يشير برنس إلى أن الناقد يتقدّم ويرتقي بسبب قوة خطابه وإلمامه اللغوي، وبسبب مهاراته في الاستشهاد أثناء فحص الأفلام موضوع الدراسة.

وعن “النظرية البنيوية”،يقول: أشار المنظر السينمائي ستيفن هيث، إلى أنه يجب أن تُفهم البنيوية على أنها عملية أو شبكة من العمليات، حيث يتحدد للأفراد مكانهم في المجتمع، ويؤمن هيث بأهمية المسألة اللغوية، على أن اللغة تلعب دوراً هاماً، وأن الناس تستحضر مكانهم داخل المجتمع، وهذا بشكل أو بآخر نوع من الدمج بين أفكار ليفي ستراوس البنيوي الأنثروبولوجي، والمفكر الماركسي لوي ألثوسير الذي تحدث فيه “تقصي الحقائق” عن كيف أن الموضوع يتشكّل بواسطة الأبنية، وأن هذا أكثر أهمية من الشخص نفسه ومن دوافعه.

وينقلنا المؤلف إلى “النظرية الشكلية”، قائلاً: الشكليون هم أولئك الذين يعتبرون السينما وسيطاً للمعالجة الفنية، فالمخرج يحتاج أن يتجاوز فوضى الواقع، وأن يحوّل المادة الفلمية إلى شكل سينمائي نقي، وأن هذا التشكيل يسمح للفيلم أن يكون فناً.

وهذه بعض العبارات الشكلية حتى نفهم هذه النظرية، يقول بيلا بيلاس في كتاب “نظرية الفيلم”: المخرج يجب عليه أن يستخدم كل وسائل التعبير المتاحة في فن السينما، لكي يتجاوز ضبابية الواقع المشوّشة، ولكي يستطيع إظهار الحقيقة.

عندما سُئل مخرج الواقعية الإيطالية الجديدة روبرتو روسلليني عن الواقعية، فقال: أنا مخرج ولستُ منظراً فنياً، ولا أعتقد أن بمقدوري أن أعطي توصيفاً دقيقاً للواقعية، وربما لا يستطيع أي أحد آخر، لكن روسلليني أضاف في حوار منشور في كتاب “الواقعية والسينما”: أن الواقعية استجابة للحاجة الحقيقية لرؤية الناس على طبيعتهم، بنوع من الشفافية وبدون الحاجة إلى اصطناع استثناءات، وهذا يعني التسليم بأن الاستثناء يأتي خلال استقصاء الواقع.

ويوافق على ذلك أندريه بازن، ذلك الناقد الذي جعل الواقعية معروفة للجميع، ففي مقال تنظيري بعنوان “الثورة في لغة الفيلم”، يرى بازن بأن الواقعية من الناحية الرسمية بلغت سن الرشد، وأن عُمق الميدان ليس مُجرد مكسب في حرفة المصوّر السينمائي، كما هو الحال مع مُرشحات أو أسلوب الإضاءة، فالوضوح في عُمق الميدان طبقاً لرأي بازن، يسمح للمخرج أن يحافظ علىخلفية ومُقدمة اللقطة في حالة من الوضوح المتساوي، فالوضوح في عُمق الصورة مكسب محوري في تاريخ لغة الفيلم.

إن الواقعية واحدة من نقاط الخلاف في تحليل الأفلام، فماذا نقصد حينما نقول إن فيلماً ما واقعياً؟ وهل واقعية شخص ما لها نفس الأهمية بالنسبة لشخص آخر؟ كما يقول كريستوفر ويليامز في مُقدمته لكتابه “الواقعية والسينما”. وعلى الرغم من أن مُصطلح واقعية، كان مُستخدماً من قبل في عديد من الأفلام الفرنسيةفي الثلاثينيات،وُصفت بأنها واقعية شعرية على سبيل المثال، إلا أن الواقعية أصبحت نمطاً سينمائياً مع حركة الواقعية الجديدة التي خرجت من إيطاليا أثناء الحرب العالمية الثانية، وم ع كتابات نقدية مثل كتابات أندريه بازن، والذي دافع في المجلد الأول من كتابه “ما هي السينما؟” عن فيلم من الواقعية الجديدة، إنه فيلم “أمبرتودي” لفيتوريودي سيكا، قائلاً ومُشيّداً: إن وحدة السرد لم تكن مُكتملة والحدث والتحوّل المفاجئ للأحداث، وكذلك الشخص فلم يكن يتميّز بالبطولة، وأن الفيلم يمكن أن يُقال عنه إنه أكثر أهمية من الآخرين، فمن أجل تحقيق المساواة بينهم كذوات ذات وجود،فالدراما تتحطم من أساسها.

ما يتعيّن علينا القيام به، هو العمل من خلال عدد من العناصر التي تُعبّر عادة عن الواقعية، ومن ضمن هذه العناصر: عدم استخدام الواقعية إلا إذا كان في المشهد مصدر لها، واستخدام ممثلين غير مُحترفين، وعدم استخدام الصوت من خارج الشاشة والبساطة، واستخدام الحوار العامي – وأحياناً لا نسمع إلا نصفه – وعدم استخدام الإضاءة الصناعية، والتخلف عن التصوير الذي يبرز الجمال، والمقصود من ذلك أن نحس أن حبكة الفيلم تنطلق من مُفردات الحياة الحقيقية، وهذا يؤدي إلى إظهار القضايا الاجتماعية بدلاً من الهروب منها.وسنرى في الأفلام التي اخترناها نوعاً من استخدام أو دمج لهذه العناصر، والأفلام التي اخترناها هي: “العام صفر في ألمانيا” و “غرفة على السطح” و “التفاصيل الأخيرة”.

ويذكر المؤلف: لابد ألا نفكر في الفيلم التسجيلي، باعتباره مجموعة من القواعد التي تحدد شكل الفيلم، لكن باعتباره سلسلة من الإمكانيات المقبولة،عندما نكون في عالم الحقيقة وليس في عالم الخيال،فالبحث عن الحقيقة يمكن أن يتخذ أشكالاً شتى.وتتنوّع أشكال الفيلم التسجيلي، فيمكن أن نتناوَل الفيلم التسجيلي من وجهة النظر الإخبارية، أو التحقيقية أو الروائية، أو من وجهة النظر الشخصية، هذه المصطلحات فضفاضة، والفيلم التسجيلي قد يستخدم الأشكال الأربعة أو بعضها، أو يستخدم شكلاً واحداً، وفي مراحل مُحتلفة من تاريخ السينما، كان أحد المصطلحات أكثر انتشاراً من البقية – فعلى سبيل المثال– في السيتينات اعتمدت حركتين سينمائيتين على صيغة التحقيق، وهما حركة سينما الحقيقة في كندا وفرنسا، وحركة السينما المباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية.

جدير بالذكر أن كتاب “محاضرات في نظرية الفيلم” للكاتب توني مكيبن،قام بترجمته ممدوح شلبي.