كاديك يدخل صالون الكتاب الدولي 2016 باحثا وروائيا:

"سيف التيجان" و"طريق الشمس".. موعد القراءة الممتعة..

يدخل الباحث والإعلامي محمد كاديك، معرض الجزائر الدولي للكتاب هذا العام بإصدارين اثنين، صدر أولهما عن دار الألمعية، وهو عبارة عن "دراسة أجناسية" في السيرة الشعبية "قصة الملك سيف التيجان" التي حققها الدكتور شريف مريبعي، بينما يتمثل الإصدار الثاني في رواية عن "منشورات آناب"، موسومة بعنوان: "طريق إلى الشمس".


وتعتبر دراسة كاديك الأجناسية، بالنظر إلى الموضوع الذي طرقته، أول منتج أكاديمي يعالج السير العربية بجديّة، ويكشف عن مزاياها التي لا تختلف عن المنتج الملحمي العالمي، بل إنه كشف ـ وفق ثلاث مقاربات نقدية ـ عن وجه مختلف للأدب العربي الشعبي وهو يعانق العالمية ويضيف إليها كثيرا من القيم الانسانية التي أغفلتها مختلف الملاحم وأناشيد المآثر وروايات الفروسية الغربية.

صاحب الجلالة سيف التيجان

يعتمد الباحث محمد كاديك في بداية دراسته على موقف هانز غيورغ غادامير من التراث الأمة بما هو ما يتواصل في سلوك أبناء الأمة، ويتحقق في مواقفها ومبادئها الراسخة، ليشرح أهمية التراث الشعبي العربي عامة، والجزائري خاصة، فيمهّد بهذا للحديث عن أهمية الدراسة، وحاجة خزانة التراث الجزائرية إلى مثل هذه الأعمال التي غمرها النسيان وانسحبت عليها سدول التاريخ، ثم يقدم أهم المحطات في تاريخ النظرية الأجناسية بداية من "بويطيقا" أرسطو إلى غاية النظريات الحديثة، مرورا بالنظرية الكلاسيكية والرومانسية، ثم يفتح فصلا يخصصه لـ"الملحمة والمرجعيات الملحمية"، فيصنف مختلف النظريات التي تناولت هذا التراث الذي لم يشمله النقد العربي ـ على مدى تاريخه ـ بأي اهتمام يذكر، حتى إذا تبيّنت طبيعة الشكل الملحمي على المستوى النصي كما حدّده دانيال ماديلينا وجون دوريف، ثم على مستوى المرجع التراثي بمثل ما أسس له الأمريكي جون فولي، وأخيرا على المستوى الوظيفي الذي اشتغلت عليه فلورانس غويي صاحبة الكتاب المؤسس في الموضوع الموسوم بعنوان: "فكر بلا مفاهيم"، وهو من أحسن ما طوّرت الدراسات الملحمية الحديثة للنظر في الجانب الوظيفي الذي يفتح الآفاق على معالجة الظروف المحيطة بالعمل الشفاهي، والخلفيات الأيديولوجية والسياسية التي تحرك في سياقاتها العمل الأدبي.

وفكّك كاديك "قصة الملك سيف التيجان وفق مقتضيات المقاربات الثلاثة، ليستخرج معالم الطابع الملحمي الذي ينسحب على كل الأعمال السيرية العربية مثل "الأميرة ذات الهمة" و"سيف بن ذي يزن" و"قصة عنترة بن شداد" وغيرها، فهي لا تختلف في بنيتها عن الملاحم العالمية المعروفة مثل "غلغامش" و"الإلياذة" و"المهابهراتا" سواء على مستوى "الحدث الحربي" أو "صورة البطل" و"المسار العام للسرد" ما يمنح الأعمال العربية، و"قصة الملك سيف التيجان" في نسختها الجزائرية، حقها في أن تحظى مكانة الملاحم العالمية، خاصة وأن "سيف التيجان" ـ وفق المقارنة التي أجراها كاديك مع أنشودة رولاند الفرنسية ـ تقدم صورة مثلى عن "القيم الانسانية النبيلة" التي يفتقد إليها "رولاند" الفرنسي.

وسجل الباحث على المستوى الوظيفي، أن "قصة الملك سيف التيجان" جاءت كي تحتفظ للجزائريين بخيط أمل للتخلص من ربقة الاستعمار الفرنسي في زمن عصيب شهد المجاعات والأمراض والظلم الاستعماري بين سنتي 1860 و1869، موضحا أن الرواة والمداحين الذين كانوا يمثلون حضورا قويا في المجتمع الجزائري ظلوا يصطنعون الصور الأدبية التي ترسخ عقيدة النصر في القلوب، ويستدل على ذلك بمقال للمستشرق جوزيف ديبارمي، صدر بالمجلة الإفريقية، حذر فيه من هاته الأعمال الأدبية التي تنبئ بأنها تحضر لـ"ثورة مقبلة".

على طريق الشمس..

أما رواية "طريق على الشمس" الصادرة عن "منشورات آناب"، فيبدو أن كاديك اختار لها أن تكون "ملحمة" في شكلها الروائي، فهي تقدم نفسها في البداية بطريقة بسيطة، حيث تتحدث عن موظف يتعرض لضغوطات إدارية بسبب أحد البورجوازيين الجدد يتهمه بسرقة مذياع، ورغم إثبات براءته من تهمة السرقة، فإن الإدارة تصرّ على مواصلة إجراءات طرده من العمل، فيخرج من مقر المؤسسة وقد انغلق الأفق في وجهه، ويسير إلى داره، ولكنه لا يصل، حيث يتغير المكان ويضيع الزمان، وتختلط المفاهيم، ويكتشف في أثناء "التيه" كثيرا من المواقف التي تهوّن عليه مصيبته، وهو يناقش بطريقة سلسلة مختلف المواقف، بأسلوب وصفي تارة، وحواري تارة أخرى.

وتعدُ رواية "طريق إلى الشمس" قارئها بكثير من التشويق والإثارة، بأسلوب مرن ينتقل بين الأزمنة بمنتهى السلاسة، ويصطنع لروايته واقعا منسجما في السياق العجائبي الذي تخيّره لها، وذلك من خلال التركيز على التفاصيل الدقيقة كمثل "العملة" المتدوالة بين شخوص الرواية، إضافة إلى أنه يعود إلى مفاهيم عميقة ليناقشها ضمن الحبكة الروائية بطريقة تجعلها سهلة في متناول القارئ؛ ولقد أشار الروائي محمد كاديك إلى "التشويق" الذي تعدّه "طريق إلى الشمس"، فكتب على صفحته بـ"فايسبوك" معلنا عن صدورها، ويقول بأنه لا يضمن أن لا تختلف رؤية روايته عن رؤية قارئها، مثلما لا يضمن أن لا تختلف مواقفها عن مواقف القارئ، ولكنه ضمن لمن يقرأ عشرين صفحة منها، أن لا يتركها إلا بعد أن يكملها.

درب الكتابة

نشير في الأخير إلى أن الإعلامي الباحث محمد كاديك، نشر لحد الآن مجموعتين شعريتين، واحدة خصصها للأطفال موسومة بعنوان "ورد وسكر" وهي المجموعة التي نشرت بعض أناشيدها بالكتاب المدرسي الرسمي، أما المجموعة الثانية فهي تجمع قصائد تعالج الواقع المعيش خلال العشرية السوداء بالجزائر، وهي الموسومة بعنوان: "بالحياة مع وقف التنفيذ"، كما سبق له أن شارك في كتاب جماعي صدر عن منشورات آناب، بعنوان: "شعراء كتبوا الثورة"، وهو الكتاب الذي أسهم فيه كاديك بدراسة حول الشيخ محمد العيد آل خليفة، كما نشر مسرحية فلسفية عنوانها "المهرّج" على صفحات جريدة "الشعب"؛ ولديه أعمال شعرية ونثرية أخرى موزعة على الجرائد؛ وهو يواصل حاليا في دراسة الأشكال الأدبية الملحمية والروائية.

يحيى صحراوي/نوافذ ثقافية