بخصوص “حقوق التأليف” و”تلفزيون المحل التجاري”

التجار يدفعون حقوقا مدفوعة سلفا؟!

ما تزال إتاوة "حقوق التأليف" المفروضة على التّجار الذين يستعملون التّلفزيونات في محلاتهم تثير كثيرا من التّساؤلات؛ ولقد لاحظنا منذ حوالي شهرين أو يزيد، أن فريقا من أعوان الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، طاف على كثير من التّجار بمدينة المدية، وفرض عليهم أتاوات تترواح بين ألف وثلاثة آلاف دينار جزائري، وقيل إن اختلاف الأتاوة يحسب وفق مساحة المحلّ الذي "يستغلّ" الأعمال الفنيّة..

كتب: محمد كاديك


ولن نحابي أحدا إذا قلنا إن الحرص على حقوق المؤلف وصيانتها والعناية بها، فعل حضاري يستحقّ كلّ التنويه، وهو تفعيلٌ للعمل الفنيّ، ورقيٌّ بالمشهد الثّقافي في عمومه؛ ومع هذا، فإنّنا نرى بوجوب التّساؤل عن ماهية الأتاوة المفروضة على التّجار باسم "حقوق التأليف" بذريعة استعمال أجهزة التّلفزيون في المحلات؛ وهذا تساؤل نراه مشروعا، لأن المتعارف عليه أن الدّيوان إنما تأسّس لحفظ الحقوق، وليس لإضافة الأعباء على المواطنين دون وجه حقّ..

هذا أصل المسألة..

يبرّر الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة الأتاوات التي يفرضها على التجار من مستعملي التلفزيونات بالأمر رقم 03 – 05 المؤرخ في 19 جمادى الأولى عام 1424 ه الموافق لـ19 يوليو سنة 2003م المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة؛ ولقد طاف أعوان الديوان بكثير من التّجار بمدينة المدية، وفرضوا عليهم دفع أتاوة استعمال التلفزيون، مقابل وصل دفع تمتدّ صلاحيته على مدى عام واحد؛ ويوضح الوصل بأن كل مخالفة لأحكام القانون تقتضي تطبيق العقوبات الواردة في المادتين 151 و154 من قانون 2003 المذكور، وهنا ينبغي أن نلاحظ بأن آلية تطبيق القانون، إن كان القانون هو ما طُبق فعلا، لا تفرض على الأعوان أكثر من إثبات وجود أجهزة التلفزيون في المحلات، وهي آلية لا تتيح أي تساؤل حول طبيعة المادة المستعملة، ولا عن مدى إخلالها بالقانون أو انتهاكها لحقوق المؤلف..

وهذا تفصيل السؤال..

يسجّل وصل الديوان الوطني لحقوق المؤلف أن كل "استغلال" للمادة المحفوظة خارج قانون 2003، يخضع لعقوبات ينص عليها القانون، وهي المثبتة في المادتين 151 و154 كما سبق القول؛ ولكن الوصل ــ بطبيعة الحال ــ لا يمكنه أن يقدّم التجاوزات موضوع العقوبة بالتّفصيل؛ أما التّاجر الذي يدفع الأتاوة، فهو لا يجد حاجة في التعرف على هذه التجاوزات، لأنه يدفع للأعوان الذين تنزّلوا عليه في محلّه دون نقاش، لأنهم يمثلون القانون؛ فالتاجر ــ في كل حال ــ يكتفي بالتخلّص مما أحاط به فجأة، ولا يحتاج إلى مطالعة حقوقه ما دام يدفع حقوق المؤلفين.. ويبدو أن أعوان الديوان أنفسهم لا يجدون حاجة في مطالعة ما يطبقون من قوانين، فهم يكتفون بالتعليمات الموجهة إليهم، ويطبقونها كما هي؛ ولهذا، نريد أن نبدأ بقراءة مادتي قانون 2003 المثبتتين على وصل الدفع..

ولا شكّ أن أول قراءة للمادة 151 من القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة ستكون مدهشة للغاية، ذلك أن هذه المادة تعرّف "مرتكب جنحة التقليد"، وتصفه بأنه كل من يقوم بـ:

  1. الكشف غير المشروع للمصنف أو المساس بسلامة المصنف أو أداء لفنان مؤد أو عازف.
  2. استنساخ مصنف أو أداء بأي أسلوب من الأساليب في شكل نسخ مقلّدة
  3. استيراد أو تصدير نسخ مقلّدة لمصنف أو أداء.
  4. بيع نسخ مقلدة لمصنف أو أداء.
  5. تأجير أو وضع رهن التداول لنسخ مقلّدة لمصنف أو أداء.

ولا نجد استعمال التلفزيون، ولا المادة التي يمرّرها التلفزيون

ثم نندهش أكثر، حين نجد المادة 154 من القانون نفسه، تقول ما يلي:

«يعد مرتكبا الجنحة المنصوص عليها في المادة 151 من هذا الأمر، ويستوجب العقوبة المقررة في المادة 153 أعلاه كل من يشارك بعمله أو بالوسائل التي يحوزها للمساس بحقوق المؤلف او أي مالك للحقوق المجاورة.».

نريد أن نقرأ الآن المنهج الذي تمكّن به الديوان الوطني لحقوق المؤلف من إسقاط المادتين على التجار الذين يستعلمون التلفزيونات في محلّاتهم؛ وهل يمكن أن تكون هناك وسيلة لارتكاب واحدة من الأعمال التي نصّت عليها المادة 151 باستعمال التلفزيون؟!

لن يكون عسيرا أن نلاحظ بأن المادة تعاقب مرتكب "جنحة التقليد"؛ والقانون لا يترك التقليد دون تعريف، وإنما يحدده في مواضع واضحة معدودة لا يمكن مطلقا أن تتحقق بواسطة تلفزيون معلق على جدار محلّ تجاري، فالأمر هنا متعلق بالكشف عن عمل فني أو المساس بسلامته، وهو متعلق بالاستنساخ والبيع والتصوير والتقليد، أو حتى ما يبدو مسوّغا في حالة التجار مثل (الوضع رهن التداول) لأن الأمر هنا لا يتعلق باستعمال التجار للمادة الفنية؛ وإنما المقصود تداول النسخ المقلدة؛ ولسنا نرى أيّا من هذه الممنوعات متاحة بمجرد جهاز تلفزيون في مجل تجاري لا يجعل الموسيقى والفنون من بين تخصصاته التجارية..

لنفترض الآن أن واحدا من التجار مستعملي التلفزيونات، رفض دفع الأتاوة لأعوان الديوان، كيف تراهم كانوا سيكيّفون المادة 151 كي يثبتوا عليه ارتكاب الجنحة، ويخضعوه للمادة 153؟!

ما علينا.. قد يقال بأن المادة 154 تغطي على المادة المتعلقة بجنحة التقليد، فهي تفتح المجال على كل من (يشارك بعمله أو الوسائل التي يحوزها)؛ ولنفرض أن "الوسائل التي يحوزها" هي (التلفزيون)، مع أن هذا الجهاز يختص بـ"التلقي" لا يتجاوزه.. لنفترض أن التلفزيون من الوسائل التي تنصّ عليها المادة 154.. ولنكن منصفين، ونتجنب كل الأسئلة عديمة الجدوى المتعلقة بما هو مثبت في المادة 151.. لنكن منصفين ونسأل:

ما هي المادة الفنية التي يستعملها التجار من أصحاب التلفزيونات في محلاتهم؟!

ليس من ينكر أن معظم التلفزيونات في المحلات التجارية على اختلافها، تخصص للقنوات الوطنية، وهذه قنوات إعلامية تقدم مادة إخبارية معفاة من حقوق التأليف بحكم المادة 47 من القانون نفسه، وحين نتحدث عن "إعفاء" إنما نقصد من يستغلّ المادة الإخبارية استغلالا تجاريا، ولا نقصد المتلقّي الذي يدفع عنه أصحاب القنوات كي يضمّوه إلى تعداد المشاهدة؛ فليس يعقل أن ينال الإعفاء من يستغلّ المادة، وتسلط الأتاوة على من يتلقى المادة مرغما، دون أي تعبير عن حاجة إلى هذه المادة!

وهذا بيان السؤال..

ولا نعتقد أننا أوضحنا وجهة نظرنا كما ينبغي فيما سبق، فقد قدمنا هذا الطرح من قبل، وواجهتنا طروحات أخرى بينها ما ينحو منحى أخلاقي، كقول بعضهم: «ولكنها حقوق الفنانين التي يجب أن نحافظ عليها»؛ وبينها ما يسوّغ الأتاوة بتهوينها وتقليل ضررها، كقول بعضهم: «الإتاوة في مجملها ألف دينار في العام، وهي لا تساوي شيئا بالنظر إلى مداخيل التاجر»..

وليس يخفى أن مثل هذا الطرح لا ينسجم مع القانون الذي ينبغي أن يطبق تطبيقا صارما، ذلك أن "حقوق المؤلف" ليست صدقة جارية، ولا إحسانا يأتيه أولو الفضل من الناس؛ والحفاظ على الحقوق لا يعني مطلقا انتهاك حقوق أخرى، والألف دينار التي ليست شيئا مذكورا عند التاجر، بل إن الدينار الواحد الذي لا يمكن أن يكون شيئا مذكورا بالنسبة لمداخيل المتسولين أنفسهم؛ لا ينبغي أن يؤخذ عنوة باسم قانون لا يشرّع أخذه، ولا أن يسمى أتاوة باسم مادة لا تتعرض مطلقا إليه..

وإذا عدنا إلى قانون 2003؛ فإننا سنجد المواد التي تحدّد العقوبات في حق من ينتهك حقوق المؤلف والحقوق المجاورة كما وضعها المشرع الجزائري، منسجمة تماما مع مقتضيات صيانة حقوق المؤلف؛ ولقد سجّل المشرّع في المادة أن المقصود بالحماية إنما هي المصنفات الفنية لا المادة الإخبارية؛ ولقد جعل لحق المؤلف شرطا واضحا في المادة 80، يتعلّق بـ«العرض بأية وسيلة من الوسائل في مكان مفتوح للجمهور مقابل دفع حق الدخول، أو إذا وضع رهن التداول بين الجمهور عن طريق إيجار الدعامة قصد الاستعمال الخاص»؛ وإذا قدّرنا أن المحل التجاري مكان مفتوح، فهو لا يشترط دفع مقابل الدخول، كما أنه لا يؤجر دعامة تلفزيونه لمن يستعملها استعمالا شخصيا، وفوق كل هذا، هناك سؤال غاية في الأهمية: كيف لمحل تجاري من مائتي متر مثلا أن يستوعب أهمّ مفهوم في المادة 80.. مفهوم "الجمهور".. هل يمكن لكشك متعدد الخدمات أن يستوعب "الجمهور"؟!!

وليس ينبغي أن يفوتنا أن "الاستعمال" ليس "الاستغلال"، وأن استعمال التجار للتلفزيون، وهو استعمال لمادة إخبارية مجانية قانونا، إنما هو استعمال شخصي لا يدخل مطلقا في باب الترويج التجاري، ولا فائدة تجارية ترجى منه؛ أما الاستغلال فهو يكون ربحيا في الغالب، وهذا لا ينبغي أن نسأل عنه تجار ولاية المدية البسطاء الذين يستعملون التلفزيون لتجاوز الملل والفراغ؛ وإنما ينبغي أن يتوجه إلى من يستغلون الموسيقى في خاصة أعمالهم، ولا يكون لأعمالهم أي قيمة دون موسيقى، وهؤلاء ليسوا من دفعوا أتاوات حق التأليف بالمدية.

خلاصة القول..

هذا ما انتهى إليه مقالنا بخصوص حقوق التأليف التي دفعها تجار صغار بالمدية، بحكم قانون لم يتعرض لهم ولا لنشاطهم، وفق قراءتنا لقانون 2003 المتعلق بحقوق المؤلف؛ راجين أن يفتح النقاش في الموضوع؛ ويرفع الغبن عن تجار يحاولون أن يواصلوا البقاء في مناخ لا يشجع على التجارة، ولم نر حاجة في التعرض إلى المقاهي التي قد تستغل التلفزيون في جلب الزبائن من خلال استعمال قنوات رياضية معروفة، وهذه مدفوعة الحقوق سلفا بحكم أن القنوات مشفّرة، وحقوقها تحفظها لها بطاقة الدفع، ولهذا، يمكن للديوان أن يحصّل حقوقه من البطاقات لا من مستعملي البطاقات، وإن لم تكن المادة فنية ولا إبداعية؛ ولقد سبق أن راسلنا معالي وزير الثقافة في الموضوع، ولم يُتح لنا أن نطرح رؤيتنا كما ينبغي، ولعل النقاش يوضح الأمر أكثر، ويحفظ لكل ذي حق حقه، فليس المطلوب سوى إحقاق الحق؛ والله يوفق لما فيه الخير..