المثقف والسلطة.. الإغواء والإلغاء

إشكالية العلاقة بين السلطة والمثقف كالمتلازمة سياسياً وفكرياً واجتماعياً، فالسلطة تعي أن المثقف هو المفكر الذي يثير الأسئلة المشروعة، ويتبنى القضايا التي يُعاني منها مجتمعه، باعتباره طليعة المجتمع فكرياً واجتماعياً، ولذلك يصيب السلطة بالدوار فتحاول بشتى الطرق احتواءه، ليتحوّل المثقف بالنسبة لها إما نداً أو خصماً، أو ينحدر إلى مستوى الأداة والألعوبة في يديها، ومن هنا تزداد العلاقة بينهما سوءاً.


علاء الأسوانيوحول إشكالية العلاقة بين المثقف والسلطة، يرى الروائي علاء الأسواني، أن المثقف لم يهمش دوره في المشاركة السياسية فقط فهو مبعد تماماً عن المشاركة، ويرجع ذلك للظروف الاجتماعية والدولة والمثقف نفسه، ويتساءل: هل الجمهور يتعاطى الثقافة مثلما كان يتعاطاها في الفترات الماضية منذ جيل عبدالله النديم والمقاومة الفكرية؟.

ويضيف: في الماضي كان المثقف يستطيع التواصل مع المجتمع، والسلطة كانت أعنف من الآن، لكنها كانت تتقبّل الحراك الثقافي داخل المجتمع السياسي، وكانت تقابله بالعنف والاستقطاب، بينما اليوم أصبح المثقفون غير موجودين على الساحة وليس لهم علاقة بالمجتمع، مما دفعهم إلى عزل أنفسهم عن طيب خاطر.

ويؤكد الأسواني أن المثقف كان برياً، لكن اليوم أصبح مستأنساً بخاطره، فاليوم أصبح هناك بعض المثقفين الذين يلجمون أنفسهم بأنفسهم ويضعون السرج على ظهورهم، لكن ماذا يفعل الأسد بلا مخالب أو أنياب؟ وهكذا همش المثقف واستبعد نفسه بنفسه من الساحة السياسية.

تناقض قوي

وفي رأي الكاتب يوسف القعيد أن هناك تناقض بين المثقف والسلطة ،لأن المثقف يكره سلبيات أي سلطة ووظيفة المثقف أنه كشاف، وبالتالي يكون مكروهاً من السلطة، مما يؤدي إلى التناقض، وهناك مثقفون يبيعون أنفسهم للسلطة ويتخلون عن واجبهم ويؤكد القعيد أن السلطة تستبعد الثقافة والمثقفين من حق المشاركة من الحياة السياسية والقرار السياسي، لأنها سلطة ديكتاتورية ليس لها في الديمقراطية.

والمثقف دائماً يطمح إلى التغيير إلى الأفضل وطرح تساؤلاته على الواقع ومحاولة اصلاحه ولذلك فهناك صدام لابد أن يكون بين المثقف ومؤسسات الدولة والثقافة السائدة وبالطبع فالدولة لا تريد من يهاجم ثقافتها او افكارها وانما ترحب بالمعارضة المستأنسة وهي المعارضة التي لا تجرح أحاسيس الدولة ولكن سيظل هناك تناقضاً بين دور المثقف والسلطة.

وأرجعت الكاتبة د. زينب العسال، ما يحدث على الساحة السياسية إلى السلطة التي لا تأخد الأديب أو المثقف بعين الاعتبار، فلا يوجد قرار يطرح على المثقفين، إذ لابد أن يكون له دور في كل اللجان، ولابد أن نهتم ونقدّم ونرعى المثقف في وسائل الإعلام.حينما لا تعي الأمة قدر المثقفين يبتعدون عن الساحة، وأدانت المثقف الذي يتعامل مع السلطة، وفي هذه الحالة يكون جزءاً من نظام السلطة والمثقف الخارج عن السلطة الذي يعارضها، وفي كل الأحوال لا يؤخذ برأيه ويظل مهمشاً.

مبدعون غائبون

بينما يقول الروائي إبراهيم عبد المجيد: معظم المثقفين يعملون داخل الأحزاب، أما المبدعون فهم غائبون، ولابد من غيابهم، لأن المبدع لا يستطيع أن يعمل في ظل أي حزب، لأنه أكبر من الحزب، وكل المبدعين لا يتحملون النظم الصارمة للأحزاب والقواعد الفكرية الثابتة والعقائدية، هم أكثر حرية وتحرراً، وإذا استبعدنا المبدعين نجد أن الأحزاب تضمّ المثقفين من الصحفيين والنقاد والمفكرين. ويرى عبد المجيد أن المثقف المصري طوال عمره مناضل بالكتابة أو بالفعل، لكن لا يوجد له دور محدّد.

بينما يرى الشاعر محمد إبراهيم أبو سنة أن الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة منذ أكثر من 30 عاماً لا تشجّع المثقفين على المشاركة، لأن الذي يحدث في الأحزاب يتكرر خارجها، فالسياسيون يتناحرون على القبض والهيمنة على المراكز الحسّاسة في الأحزاب، وحين يشكّل المثقفون أحزاباً ربما تلونها أفكارهم، فينخرطون في مرض الاستبداد، مؤكداً أننا مصابون منذ زمن طويل نتيجة للحكم الأجنبي المستبد، ومنذ زمن طويل نحن مرضى بفكرة الهيّمنة والسلطة.

ويوضح الشاعر محمد بغدادي، أن المثقفين ينقسمون إلى ثلاثة أنواع، الأول تنجح السلطة في استقطابه ليصبح في معينها معبراً عنها ليصبح لسان حالها، وبهذا نكون فقدنا الأمل في عودته إلى قيادة الجماهير، أما النوع الثاني فشل في أن يضع نفسه داخل إطار السلطة، ورفض العروض التي تستأنس المثقف وتجعله جزءاً من تركيبتها، أما النوع الثالث فهو يحاول من خارج هذا الإطار بجهود فريدة أن يغير من الواقع من خلال عمل سياسي وفني، لكن دائماً يكون محاصراً، مؤكداً أن النظام السياسي استبعد النخب الحقيقية فليس من قبيل الصدفة أن تتقهقر الجامعة المصرية ولم تكن ضمن ترتيب 500 جامعة على مستوى العالم.

ويؤكد بغدادي أن السلطة هي التي تستبعد، وبالتالي يخطط أنصاف المثقفين لحساب أنفسهم، ويتسرّب الفساد بين هذه المنظومات التي تسيّطر على جميع مناحي الحياة.

مجتمع العدل

بينما يشير د. سعيد اللاوندي، خبير العلاقات السياسية الدولية بالأهرام، إلى أن علاقة الإغواء والإلغاء بين المثقف والسلطة تعتبر مظهراً من مظاهر التخلف الثقافي الذي نعيشه، لافتاً إلى أن المثقف كان يختلف مع زميله في قضايا فكرية، لكن هذا الزميل إذا اتهم من قبل السلطة أنه تجاوز الحدود في الفكر والثقافة نجد أن خصمه يدافع عنه، وهذا ما حدث في زمن “طه حسين” عندما وضع كتاباً في الشعر الجاهلي قامت الدنيا ولم تقعد، واتهم بالزندقة والإلحاد، إلا أن أحمد لطفي السيد دافع عنه، وكان رئيساً لجامعة القاهرة، وهدد أنه سوف يقدّم استقالته من منصبه إذا لم يكفوا عن إيذاء طه حسين.

ويرى د. محمد عبد الرحيم، الأستاذ بكلية الحقوق جامعة القاهرة ، أن الإشكالية بين المثقف والسلطة هي البحث عن نقطة التقاء بينهما، حتى يكون هناك تفاعلاً في تغيير المجتمع إلى الأفضل، فالمثقف ينشد الحق والعدل والسلام والتقدّم لوطنه، وفي سبيل ذلك ينتقد كل شيء حوله قد يمس سياسات الدولة ومواقفها، ولذلك تحاول السلطة هنا أن تقف في مواجهته، وتدعي أن كل الأنظمة لديها قائمة على العدل واحترام المواطن وتقديره.

فالقانون له ثغرات كثيرة، وقد تتحدى الدولة مواقف المثقفين من خلال تلك الثغرات، وتزج بهم في السجون، ولكن الدولة أو السلطة التي تريد أن تؤسس مجتمعاً ينشد الحرية والتقدّم، عليها أن تتقبّل النقد كي تصلح من شأن مجتمعها دون خوف من كتابات المثقفين وأقوالهم.